اتحاد الجزائر يطالب الـ"كاف" باعتباره فائزا أمام نهضة بركان

قال رضا عبدوش، مستشار رئيس نادي اتحاد الجزائر في تصريح للإذاعة الجزائرية مساء اليوم الثلاثاء (23 أبريل/نيسان 2024)، إن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) لم يبلغ النادي بأي قرار حتى الآن، لافتا أن إدارة الفريق راسلت إلى الكاف عن طريق الاتحاد الجزائري لمطالبته بتطبيق اللوائح  واعتباره فائزا في المباراة، التي كان من المقرر أن تجمعه بضيفه نهضة بركان المغربي  في ذهاب نصف نهائي كأس الكونفدرالية أول أمس الأحد.

وأوضح عبدوش أن نهضة بركان هو من رفض اللعب، بعدما قام بكل الإجراءات المرتبطة بالمباراة.

كما كشف انه في حالة اتخاذ  كاف قرارا في غير صالح اتحاد الجزائر، سوف يلجأ النادي لثلاث هيئات دولية رفض الكشف عن هويتها للدفاع عن حقوقه.

وذكر عبدوش أن اجتماعا عقد أمس الاثنين بين مسؤولي اتحاد الكرة الجزائري ونادي اتحاد الجزائر لضبط الاستراتيجية التي سيتم اتباعها، لافتا إلى تجهيز ملف يستند على أسس قانونية صلبة.

وتعذر إجراء المباراة بسبب رفض نادي نهضة بركان النزول إلى الملعب احتجاجا على مصادرة السلطات الجزائرية لقمصانه التي تضمنت خريطة للمغرب تمتد إلى أراض إقليم  الصحراء الغربية  المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو، وهو ما تعتبره الجزائر عملا مرفوضا جملة وتفصيلا، وتعديا على لوائح كاف والاتحاد الدولي (فيفا) التي تمنع إبراز شعارات سياسية أو دينية أو عرقية.

كانت لجنة المسابقات بالكاف سمحت لنهضة بركان بارتداء القمصان التي جاء بها من المغرب، لكن الاتحاد الجزائري استأنف ضد القرار الذي أيدته لجنة الطعون بالاتحاد الإفريقي.

يذكر أن مباراة الإياب مقررا لها يوم الأحد المقبل.

ع.م/ع.ج.م (د ب أ)

 

خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا

قبل أيام، فجر المبعوث الأممي في ليبيا عبدالله باثيلي مفاجأة مدوية بإعلانه الاستقالة من منصبه بسبب ما وصفه بـ "أنانية" القادة الليبيين وتفضيلهم المصلحة الشخصية على مصلحة بلادهم ما نجم عنه شعور المسؤول الأممي بالإحباط جراء الوضع السياسي في البلاد.

وجاءت الاستقالة بعد 18 شهرا من توليه المنصب فيما شدد الدبلوماسي السنغالي المخضرم على أنه بذل قصارى جهده لحل القضايا الرئيسية التي تعرقل العملية السياسية  في البلاد وهي إنهاء الخلافات بشأن القوانين الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة ووضع البلاد على مسار الانتخابات.

ومتحدثا أمام الصحافيين، قال باثيلي الثلاثاء (16 أبريل / نيسان) "محاولاتي قوبلت بمقاومة عنيدة وتوقعات غير معقولة ولامبالاة بمصالح الشعب الليبي. لا يوجد إرادة سياسية وحسن نية فضلا عن أن الزعماء الليبيين سعداء بالمأزق الحالي."

ولم يكن باثيلي أول مبعوث أممي في  ليبيا  يقدم استقالته إذ سبقه المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش الذي قدم استقالته بصورة مفاجئة عام 2021 فيما يسلط ذلك الضوء على المهمة الثقيلة التي تواجه البعثة الأممية في ليبيا التي تأسست عام 2011 للمساعدة في تسهيل العملية السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى انتخابات وطنية وبرلمانية بعد فترة فوضى أعقبت الإطاحة بنظام معمر القذافي.

وقبل ذلك، استقال غسان سلامة من منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا عام 2020، لكنه عزا ذلك إلى أسباب صحية، قائلا في حينه: "حاولت على مدار عامين إعادة توحيد الليبيين وكبح التدخل الأجنبي... لكن لأسباب صحية، لم يعد بإمكاني الاستمرار بهذا المستوى من التوتر".

عزا باثيلي استقالته إلى ما وصفه بـ "أنانية" القادة الليبيين
عزا باثيلي استقالته إلى ما وصفه بـ "أنانية" القادة الليبيينnull Eskinder Debebe/UN Photo/Handout/Xinhua/picture alliance

وفي تعليقه، قال جلال حرشاوي، المتخصص في  الشأن الليبي  والزميل المشارك في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، إن الأمريكية ستيفاني خوري، نائبة رئيس البعثة الأممية في ليبيا، ربما تتولى المنصب بشكل مؤقت.

ونقلت فرانس برس عن حرشاوي قوله "لكن بدون الدعم الكامل  من مجلس الأمن الدولي، فإن خوري قد تكون عاجزة عن تحقيق ما يمكنها تحقيقه".

ويقول خبراء إنه رغم الدعم الأممي الكامل، إلا أن تأثير المبعوث الخاص ظل محدودا في ليبيا لسنوات في ظل الانقسام والتناحر السياسي التي تئن تحت وطأته البلاد وهو ما نجم عنه وجود حكومتين متنافستين الأولى حكومة معترف بها من قبل الأمم المتحدة برئاسة عبد الحميد دبيبة وتتمركز في طرابلس والثانية بشرق البلاد بقيادة أسامة حماد المدعوم من الجنرال خليفة حفتر.

الفراغ السياسي

وفي مقابلة مع DW، رأت فيرجيني كولومبييه، الأستاذة في جامعة لويس الإيطالية، أن استقالة باثيلي "لن تترك أثرا كبيرا على أرض الواقع".

وأضافت كولومبييه، التي شاركت في تأليف كتاب "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا"، أنه خلال العام الماضي "ركز باثيلي على نوع من الدبلوماسية المكوكية في محاولة لإقناع الأطراف الرئيسية بالاجتماع معا لإجراء محادثات رفيعة المستوى، لكنه محاولته لدفع الفرقاء للاجتماع باءت بالفشل".

يرأس عبد الحميد دبيبة الحكومة المعترف به دوليا وتتمركز في طرابلس
يرأس عبد الحميد دبيبة الحكومة المعترف به دوليا وتتمركز في طرابلسnull Hamza Turkia/Xinhua/imago images

وأشارت إلى أن الاستقالة من شأنها أن تفاقم الفراغ الدبلوماسي  الحالي في البلاد في ظل عدم طرح أي مبادرة سياسية حقيقية خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.

ويتفق في هذا الرأي تيم إيتون الزميل الباحث في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، قائلا: "واجه باثيلي عملية سياسية متعثرة  للغاية، ولا يبدو أن هناك آمال كبيرة بشأن إحراز أي تقدم خاصة في سياق رغبته في التوصل إلى اتفاق بين الخمسة الكبار".

وكان باثيلي قد دعا الأطراف الخمسة الرئيسية في ليبيا إلى  حوار سياسي  وهم رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى جانب الدبيبة وحفتر.

وفي مقابلة مع DW، قال إيتون "رفض ثلاثة من الخمسة الكبار المبدأ التي قامت عليه مبادرة باثيلي فيما لم تكن هناك طريقة واضحة للتغلب على هذا الأمر".

يشار إلى أن المنفي وتكالة وصالح قد التقوا في القاهرة في مارس/آذار الماضي في إطار اجتماع نظمته الجامعة العربية لتبدأ بعد ذلك مفاوضات مع بعثة الأمم المتحدة، لكن خبراء تحدثوا إلى DW أشاروا في حينه إلى غياب أي "نية حقيقية للتغيير.

دوافع التسوية

من جانبها، رأت محللة شؤون ليبيا  في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا جازيني، أن الأمر لا يتوقف على عدم إبداء الأطراف الليبية أي نية حسنة، مشيرة إلى أن المشهد السياسي والاقتصادي في ليبيا "لا يمنح الأطراف الفاعلة الحالية سوى القليل من الحوافز للتوصل إلى تسوية".

وفي مقابلة مع DW، قالت جازيني، التي تولت في السابق منصب مستشارة المبعوث الأممي السابق غسان سلامة، إن الدولة "ممزقة وغير قادرة على السيطرة على موارد البلاد فضلا عن حقيقة مفادها أن أموال مبيعات النفط تصل إلى شرق البلاد مما يقلل من أي حوافز قد تدفع الأطراف إلى التوصل إلى حل سياسي ديمقراطي".

ورغم ذلك، حملت جازيني الدبلوماسي السنغالي باثيلي بعض المسؤولية في هذا الفشل، قائلة "عماد مبادرته تمحور حول إجراء مفاوضات بشكل حصري مع من هم في السلطة. ونعلم أنه من المستحيل إجراء أي عملية طالما بقي هؤلاء القادة في السلطة."

بعض الأمل

ويشير مراقبون إلى أن إيجاد خليفة باثيلي سوف يستغرق بعض الوقت للوصول إلى إجماع داخل مجلس الأمن الدولي حيال من سيتولى منصب المبعوث الأممي في ليبيا.

أكد الجنرال خليفة حفتر دعمه لتشكيل حكومة جديدة في تحدي لحكومة الدبيبة
أكد الجنرال خليفة حفتر دعمه لتشكيل حكومة جديدة في تحدي لحكومة الدبيبةnull Abdullah Doma/AFP

وفي ذلك، قال تيم إيتون "ما تعلمناه بمرور الوقت ومن سوابق تعيين المبعوثين الأمميين السابقين هو أن شخصية المبعوث وجنسيته تلعبان دورا هاما"، مضيفا أنه يتعين على المبعوث الأممي الجديد أن يكون قادرا على التواصل والانخراط مع الجميع لإيجاد حلول لمشاكل ليبيا  بشكل استباقي.

وقال "سيتعين على المبعوث الأممي الجديد أن يكون قادرا على إنهاء الوضع الراهن الخطير في البلاد خاصة مع قيام مسؤولي بالبلاد بنهب ثروات البلاد. هذا الأمر سيتطلب عملية سياسية أكثر شمولا وهو ما فشل فيه باثيلي ".

 أعده للعربية: محمد فرحان

عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للمهاجرين

"أنا قلق لأنني لا أستطيع العودة إلى بلدي، هذا مستحيل. أنا بحاجة إلى الحماية"، بصوت مرتجف وخوف من المستقبل المجهول، وصف ميغيل، وهو مهاجر كاميروني، وضعه في مدينة العامرة التونسية صباح اليوم الخميس.

وتابع "هدفي هو  الذهاب إلى أوروبا. وفي ظل الظروف المعيشية للمهاجرين هنا، من المستحيل البقاء في تونس". ووفقا له، شهدت مدينة العامرة خلال الأيام الأخيرة، "زيارات" عديدة من قبل ضباط الشرطة، الذين صادروا عدداً من خيام المهاجرين، إلا أنهم لم يعتقلوا أحداً.

كما قال مهاجر آخر اسمه فاروق، وهو نيجيري عمره 35 عاما، يعيش في مخيم "الـ19 كيلومتر" بالقرب من العامرة منذ ديسمبر/كانون الأول، لمهاجر نيوز الخميس: "الشرطة تدمر وتحرق الخيام هنا".

ويتجمع مهاجرون في مخيمات صغيرة عدة أكبرها مخيم "الـ19 كيلومتر" وتتوزع إلى الشمال من مدينة العامرة.

محاولات السلطات لإفراغ العامرة من المهاجرين

وفي اتصال مع إذاعة تونسية محلية، أمس الأربعاء، أكد محمود البكري، وهو ناشط في المجتمع المدني في مدينة العامرة الواقعة في ولاية صفاقس، ما رواه المهاجران ميغيل وفاروق، وقال إن "قوات الأمن انطلقت يوم أمس في إزالة مخيمات المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء".

كما ناشد البكري السلطات "بإيجاد حلول سريعة وناجعة لما يحدث في معتمدية العامرة"، معتبراً أن هذه المنطقة صغيرة ومحدودة الإمكانيات ولا تستطيع استيعاب أعداد المهاجرين الوافدين إليها.

وفي تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أمس الأربعاء، أفاد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، أنه يجري حاليا التنسيق بين الجهات الأمنية، ممثلة في الإدارة العامة للحرس الوطني، والمنظمات المعنية بالمهاجرين، والهلال الأحمر التونسي، من أجل "تسهيل العودة الطوعية  لعدد من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، المتمركزين في معتمديتي جبنيانة والعامرة من ولاية صفاقس، إلى بلدانهم، أو تقديم الدعم المادي واللوجستي للراغبين في البقاء بتونس، وإيوائهم في مراكز إيواء".

وأوضح الجبابلي أن "الحملة الأمنية الحاصلة حاليا في معتمديتي جبناينة والعامرة وخاصة في منطقة الحمايزية، هي بسبب بعض المناوشات بين هؤلاء المهاجرين في ما بينهم، واعتداءاتهم على الأملاك العامة بمعتمديتي جبنيانة والعامرة، على غرار غابات الزياتين وقنوات الأشغال العامة بالبنية التحتية، وهو ما أثار استياء أهالي المنطقتين".

وكان قد صرح الرئيس التونسي قيس سعيد، لدى إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي مساء الاثنين الماضي، بأن "ما يحدث في معتمدية العامرة من ولاية صفاقس غير مقبول"، مشددا على أن " تونس فعلت ما يمكن أن تفعله بخصوص المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء بناء على القيم الإنسانية وبناء على أن هؤلاء ضحايا".

وأكد سعيّد على أن "تونس لن تكون ضحية لمن دبروا لأن تكون مقرا لهؤلاء ولن تكون معبرا ولا مستقرا".

وكان العام الماضي مليئاً بالمصاعب بالنسبة للمهاجرين المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، المقيمين في  تونس. ففي شباط/فبراير، ندد سعيّد بوصول "جحافل من المهاجرين غير الشرعيين" من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى بلاده، معتبراً ذلك كجزء من مؤامرة "لتغيير التركيبة الديموغرافية" للبلاد.

وعلى مدار الأسابيع التي تلت هذه التصريحات، طُرد المئات من مواطني دول جنوب الصحراء الكبرى من وظائفهم ومنازلهم، ولجأ العديد منهم إلى سفارات بلدانهم.

وفي تموز/يوليو، تعرض المهاجرون المقيمين في صفاقس إلى حملة من الملاحقات والطرد، حيث تم نقلهم إلى المناطق الصحراوية على الحدود مع ليبيا والجزائر، وتُركوا دون أي طعام أو شراب في الحر الشديد. وتلقى فريق مهاجرنيوز شهادات عديدة من مهاجرين أكدوا وفاة العشرات أثناء ضياعهم في الصحراء.

رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني مع الرئيس التونسي قيس سعين
رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني مع الرئيس التونسي قيس سعينnull Tunisian Presidency/APA Images via ZUMA Press Wire/picture alliance

"نرفض محاولة تحويل تونس الى مصيدة للمهاجرين غير النظاميين"

ومن جانبه، رفض مسؤول التواصل في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في مداخلة له مع وسائل إعلام محلية، "محاولة تحويل تونس الى مصيدة للمهاجرين غير النظاميين".

وانتقد المتحدث السياسة التي تنتهجها  تونس  في إدارة ملف الهجرة غير النظامية التي اعتبر بأنها تتضمن تناقضا بين الخطاب والممارسة، منوهاً إلى أن تركيز السلطات التونسية على فرض التواجد الأمني في السواحل، تسبب في إنهاك الوحدات الأمنية بهذه المناطق، وذلك على حساب التواجد الأمني داخل المدن مما أدى إلى تصاعد الجريمة والعنف بحسب تقديره.

وأشار الجبابلي إلى أن هذه السياسة ساهمت في "إرساء منظومة ناجعة في البحر"، لكن قابلتها "منظومة أمنية فاشلة" على الحدود الغربية، "ما أدى الى انتقال أزمة  المهاجرين غير النظاميين  بعد أن كانت في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية إلى جبنيانة والعامرة وجرجيس، ومنطقة البحيرة بتونس العاصمة، وهو دليل على انخراط السلطات التونسية في المسار الذي فرضته السلطات الإيطالية".

وتلقى فريق مهاجرنيوز خلال الأشهر الأخيرة، شهادات عديدة من مهاجرين يعيشون في صفاقس وحولها، شاركوا فيها معاناتهم اليومية في ظل التضييقات الممارسة ضدهم. مثل كرم*، وهو شاب سوداني عمره 21 عاما يعيش في مدينة صفاقس التونسية، والذي روى معاناته من الشتاء والمبيت في العراء. وطالب بإسماع صوته للمنظمات الحقوقية والجهات المعنية لمساعدته هو والكثير من المهاجرين السودانيين، كي يجدوا مكانا يتمكنون من العيش فيه بأمان وكرامة.

اتفاقية جديدة بين إيطاليا وتونس

وفي سياق منفصل، سافرت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني إلى تونس أمس الأربعاء، للمرة الرابعة في أقل من عام، للقاء الرئيس التونسي قيس سعيد  حول موضوع  مكافحة الهجرة غير الشرعية.

والتزم الطرفان بـ"إشراك المنظمات الدولية للعمل على عمليات إعادة المهاجرين" إلى بلدانهم الأصلية.

وقالت ميلوني إن مكافحة الهجرة غير الشرعية "تتطلب تنمية البلدان الأفريقية، واستثمارات تسعى إلى تعزيز هذا النهج الجديد" على المستوى الأوروبي. وتأتي رحلة جيورجيا ميلوني إلى تونس قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية حيث أصبحت قضية الهجرة واحدة من القضايا الساخنة.

وبالنسبة لروما، "يبقى من الأساسي أن تواصل  السلطات التونسية  عملها لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر واحتواء المغادرة غير الشرعية" للمهاجرين.

وفي اليوم نفسه، نُظمت مظاهرة صغيرة جمعت نشطاء أمام السفارة الإيطالية انتقدوا الإدارة "الأمنية" لقضية الهجرة من قبل تونس وإيطاليا، وطالبوا "بحلول أكثر إنسانية".

وتم يوم أمس الأربعاء، التوقيع على ثلاث اتفاقيات، وهي مساعدة بقيمة 50 مليون يورو للميزانية التونسية لفائدة مشاريع الطاقة، وخط ائتماني بقيمة 55 مليون يورو للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واتفاقية تعاون جامعي، وستتبعها اتفاقيات أخرى وفقاً لرئيسة الوزراء الإيطالية، لا سيما في المجال العسكري.

وفقا للإحصاءات الإيطالية الرسمية، شهد عدد الوافدين غير الشرعيين من تونس، والذي كان يتناقص منذ الخريف الماضي وحتى بداية العام، زيادة بين منتصف آذار/مارس ومنتصف نيسان/أبريل مع وفود 5587 مهاجرا، ما يمثل زيادة شهرية بمقدار 337.52٪.

وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت جزيرة لامبيدوزا تدفقا كبيرا للمهاجرين، حيث وصل أكثر من 1500 مهاجر خلال أيام قليلة، بعد أن انطلقوا من الساحل التونسي. وعلى الرغم من أن طريق الهجرة هذا يعتبر من أخطر طرق الهجرة في العالم (2383 حالة وفاة في عام 2023، وفقا للأمم المتحدة)، إلا أن المهاجرين يواصلون المغادرة إلى إيطاليا كل أسبوع.

مهاجر نيوز 2024

موسى أبو زعنونة

مخاوف أخلاقية وأمنية من "تيك توك".. هل تنال منه دعوات الحظر العالمية؟

تنتشر أخبار مشككة في أمان تطبيق "تيك توك" وتعالت الدعوات بحظره، وهو ما تم تطبيقه في عدد من دول العالم، فقد حظرت الهند التطبيق كليا، بعدما تصاعدت التوترات مع الصين في يونيو/ حزيران 2020، وأعلنت نيبال حظرا على "تيك توك" في أواخر العام الماضي، بدعوى أن التطبيق  يهدد "الانسجام الاجتماعي"، كما وافق مجلس النواب الأمريكي، منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، بأغلبية ساحقة على مشروع قانون يجبر "تيك توك" على الانفصال عن الشركة الأصلية أو حظره على مستوى البلاد.

وتختلف الدوافع والمحاذير التي جعلت الدول أو المؤسسات تدعو أو تقرر حظر الـ"تيك توك"، لكنها في أغلب النقاشات ارتبطت بالهاجس الأمني أو الأخلاقي. ففي أمريكا وأوروبا، يُعتقد أن التطبيق الصيني يسهل على بكين التجسس، بينما نفت الشركة المالكة له مراراً نقلها لأي معلومات إلى السلطات الصينية، وأكدت أنها سترفض أي طلب محتمل من هذا النوع.

تحذيرات امتثلت لها دول مثل بلجيكا والدنمارك وهولندا وأيضا كندا وبريطانيا وأستراليا وتايوان ونيوزيلندا وألمانيا أيضا، حيث حذرت الاستخبارات الداخلية الألمانية من مواجهة مخاطر كبيرة عند استخدام تطبيق "تيك توك" خصوصاً لموظفي الحكومة الألمانية.

وفي المقابل، سيطر على نقاش المخاوف من تطبيق "تيك توك" في العالم العربي والإسلامي، هاجس الأمن النفسي والأخلاقي على المراهقين. فالدعوات لحظره انطلقت في دول مثل باكستان وأفغانستان وإندونيسيا والصومال وبنغلاديش، التي ربطت النقاش حول الحظر بالترويج المكثف لمحتوى إباحي في الغالب.

أما في السعودية فكان الانزعاج شعبيا من فرض المنصة قيودا على المحتوى السعودي، لتتفاعل شركات الاتصالات السعودية الأشهر في البلد بحظر تطبيق "تيك توك" من باقات الانترنت. وقد أحدث تصعيد من المستخدمين السعوديين رد فعل من جانب شركة "تيك توك"، التي سارعت إلى الرد عبر منشور توضح اللبس وتحاول استعادة ثقة المستخدمين، حيث نفت أن يكون هناك توجه ضد محتوى المؤثرين السعوديين.

العراق هو من البلدان العربية التي اتخذت قرار حجب تطبيق "تيك توك"، إذ أعلنت وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري تقديم طلب لمجلس الوزراء لحجب تطبيق "تيك توك" في البلاد. ويأتي هذا القرار في وقت بلغ عدد مستخدمي تطبيق "تيك توك" بالعراق، نحو 31.9 مليون مستخدم، من 36.2 مليون مستخدم للإنترنت بالبلاد، ما يعني أن 88% من مستخدمي الإنترنت لديهم حساب على "تيك توك".

وفي المغرب، وصل النقاش حول تطبيق "تيك توك" إلى مجلس النواب، إذ ناقشت لجنة التعليم والثقافة والاتصال اقتراحا بشأن حظر التطبيقات التي لا تتوافر لديها سياسات ومعايير سلامة الاستخدام،  خصوصا "تيك توك" بسبب تأثيره على المراهقين. ورافق هذا النقاش السياسي حملة مجتمعية استشهد الناشطون خلالها بنجاح السعوديين في دفع المنصة إلى الخروج ببيان توضيحي.

هذا الاختلاف الظاهري في التخوف من تطبيق "تيك توك" بين العالمين الغربي والشرقي، يفسره الدكتور مصطفى شكدالي، الأستاذ الجامعي المتخصص في علم النفس الاجتماعي وصاحب الإصدار الجديد "سيكولوجيا الإنسان المرقمن"، بالقول: "يبدو النقاش في الغرب والشرق ظاهريا مختلفا، ولكن في العمق، حينما نتحدث عن الأخلاق فإننا نتحدث عن الأمن، فمجتمع بدون أخلاق، مجتمع غير آمن".

كتاب سيكولوجيا الإنسان المرقمن للدكتور مصطفى شكدالي
كتاب سيكولوجيا الإنسان المرقمن للدكتور مصطفى شكدالي، باحث وأستاذ جامعي مغربي يتناول موضوع بناء الهوية في عصر الثورة الرقميةnull Privat

ويضيف المتحدث قائلاً: "الإشكال الأكبراليوم هو أن المجتمع المرقمن، أصبح مجتمعا كونياً، لأن التنشئة الاجتماعية التي كانت تحدث داخل الأسرة وداخل المدرسة ورفقة الأصدقاء، أصبحت تتم عن طريق التنشئة الخوارزمية، وصار هناك إعادة تشكيل للثقافة المحلية وإعطائها بعدا مرقمنا عن طريق التكنولوجيا، وبذلك صار المجتمع الكوني مرقمنا".

واعتبر شكدالي، الذي فصل في الموضوع عن طريق كتابه الذي يتناول إشكالية التنشئة الخوارزمية وبناء الهوية في عصر الثورة الرقمية، أن "التحكمية الخوارزمية تريد أن تجعل الإنسان يتنصل من أخلاقه وقيمه".

ويوضح المتحدث في حوار مع DW عربية أن "الأخلاق تختلف من مجتمع لآخر، لكن المجتمع الكوني أصبح واحداً، لدرجة أن نفس السلوكيات يقوم بها الشباب سواء في أمريكا وأوروبا، كما في المغرب أو مصر، فصار القاسم المشترك، وهو القاسم التكنولوجي، الذي يتم خلاله إعادة خلق الذات عبر الصور المفلترة"، التي يعتبرها الباحث "جراحة تجميلية رقمية في حياة موازية، هي الحياة الرقمية".

من جهته، اعتبر حسام السكري، وهو مستشار تواصل إعلامي، محاضر في الجامعة الأمريكية في بالقاهرة، أن "الأسباب الأمنية التي يتخذها الغرب حجة ترتبط بالتجسس الإلكتروني أوالتلاعب بالمعلومات، أو حتى في التأثير على قرارات الجموع في الانتخابات مثلا، عن طريق دعم محتوى قد يتسبب في تأثير على القرارات".

لكن السكري لا يستبعد أبدا احتمال وجود دوافع أخرى بعضها تجاري، إذ يرى أنه "من الناحية التجارية يشكل تيك توك اختراقا لمجال، طالما احتكرته شركات الغرب، احتكر اليوم من قبل قوة من خارج هذا المحور وبعيدا عن سيطرته".

ويقول السكري إنه "في عالمنا العربي تبدو الصورة مختلفة، إذ يتردد دائما أن المخاوف تتعلق بنوعية المحتوى المنشور، والذي اعتبرته بعض السلطات ضارًا من النواحي الأخلاقيًة أو الاجتماعية أو حتى الدينية. لكن الواقع أن التطبيق قدم لحكومات كثيرة في المنطقة مبررا سائغا لتنمق صورتها أمام جماهيرها المطحونة من غلاء الأسعار وتدني الخدمات، لتظهر من جديد في صورتها الأبوية كحامية للمجتمع وراعية لأخلاقه".

لماذا تستمر شعبية التطبيق عالميا رغم التحذيرات والتخوفات؟
هذا السؤال، يرد عليه الأستاذ الجامعي مصطفى شكدالي بالقول إن "أغلبية مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي لا يفهمون الخلفية التي تحرك العالم السيبراني بصفة عامة، ويعتقدون أنهم هم من يستعملون هذه الوسائط، لكن العكس هو الصحيح. فهناك من يتحكم في كل الوسائط الرقمية وفي الفضاء السيبراني وهو ما أسميه التحكمية الخوارزمية".

ويوضح المتحدث أن "البيانات الضخمة أي الـBig Data،  تعرف ما سيغري مستعملها"، مشيرا إلى أن "إعدادات المنصات التفاعلية الرقمية توهمك بأنك فرد كامل الحرية، وتوهمك بالفردانية وبالتخلص من مراقبة المجتمع، ولكن ما إن تطأ قدمك هذه المواقع حتى تصبح متشابها مع الآخرين".

تشابهت السلوكيات على مستوى الفضاء السيبراني، حسب شكدالي، وأبرزت ظواهر نفسية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، كما أن "التحكمية  الخوارزمية"، تساهم في الانتشار الواسع لأن ما يهمها هو الحشود، وكلما اجتمعت الحشود، كان الوضع أنسب للترويج لاستهلاك معين؛ حتى وإن كان المحتوى ليس ذا قيمة، فما يهم هو عدد المشاهدات وعدد المتابعين، لأن المسألة فيها تحفيز مادي".

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية لفتاة قاصر تتابع حسابات على تطبيق تيك توكnull ROBIN UTRECHT/picture alliance

هذه التطبيقات ينتشر فيها، حسب شكدالي، كل ما هو فضائحي ويثير رغبة التلصص، لأن هناك دراية مسبقة من طرف التحكمية الخوارزمية تدفع نحو كل ما هو فضائحي في كل المجتمعات بما فيها المجتمعات الغربية.

أمّا خطاف الخطاف، المتخصص في التسويق الإلكتروني والحائز على جائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز في المعرفة الرقمية، فقال خلال استضافته في برنامج "يا هلا" بقناة روتانا خليجية، إن الوصول المقيد، يعني الطريقة الأمريكية سابقا لانتشار المحتوى على التطبيقات، يخالف المنطق الذي ظهر به تيك توك، الذي جاء بسياسة الوصول غير المقيد.

الخبير، اعتبر أن مفهوم القيمة في المجتمع يرتبط بما يتوافق مع العادات والتقاليد والدين، لكن برمجيا هناك قيمة معاكسة، مرتبطة بالمحتوى عالي القيمة إلكترونيا، ولو كان تافهاً. وقال: "المشاهدات المرتفعة على تيك توك سببت ضجة، لكن ليست كلها حقيقية، فحتى البث المباشر لا يكون كل الموجودين به حقيقيين، بل هناك برامج معينة تستخدم من خلالها الحسابات الوهمية لرفع نسب المشاهدة، ويقوم بهذه الأعمال مبرمجين في الغالب ليسوا عربا".

أما عن الأرباح المهولة التي ينتشر الحديث عنها فأكد الخبير أنه "ليست كل الأرباح من نصيب صاحب الحساب المشهور، بل إن 70 بالمئة يتسلمها التطبيق و30 بالمئة لصانع المحتوى، وهذا سبب نمو التطبيق بشكل مخيف".

من جانبه، يرى حسام السكري، أن شعبية "تيك توك" لها أسباب عديدة، منها الخوارزميات التي صممت خصيصًا لتدفعنا لإدمان المشاهدة مقطعا بعد مقطع من خلال فهم عميق لتفضيلاتنا كمستخدمين. فـ"تيك توك" يمطرنا بمحتوى يعرف من خلال تحليل أنماط استهلاكنا مدى قابليتنا لمشاهدته ومشاركته.

إضافة إلى ذلك يقدم "تيك توك"، حسب المتحدث، فرصا لبناء جمهور واسع، والحصول على مقابل مالي كلما انتشر المحتوى وكلما زادت المشاهدات. وهناك وعد مبطن شديد الجاذبية، بتحقيق النجومية والثراء السريع لمن يفهمون كيفية الاستفادة من التطبيق وطريقة استمالة الناس لمشاهدة ما يقدمونه.

صورة لطفل يتابع تطبيق تيك توك
صورة تعبيرية لطفل يتابع حسابات على تطبيق تيك توكnull picture alliance / PHOTOPQR/VOIX DU NORD/MAXPPP

تيك توك .. بين الحرية والتحذيرات؟
يعتبر الباحث في علم النفس مصطفى شكدالي أن ما تقوم به هذه التطبيقات تلاعب بمستعمليها ولا تقدم لهم الحرية على طبق من ذهب، فالحرية بالنسبة له شيء آخر، ويوضح: "الناس تبحث عن الشهرة  ويسقطون في التشهير بذواتهم، ليست هناك حرية سيبرانية، إنه وهم فقط بينما أنت متحكم فيك، تمشي في الاتجاه الذي تريده الخوارزميات، التي توهم المستخدم بأنه سيخرج من سلطة المجتمع والمراقبة الاجتماعية".

ويقول المتحدث إن المعرفة والكشف عن الآليات التي تحرك "تحكمية الخوارزمية" هي الكفيلة بوضع نقطة النهاية لهذا الإدمان السيبراني، داعيا إلى التركيز في هذا النقاش على الاهتمام بالتربية والتكوين في هذا المجال، وقال: "نحن في مرحلة مفصلية، فالأبناء أصبحوا آباء آبائهم. الآباء لا يعرفون التكنولوجيا والأبناء متعلمون تقنيا. فالمسؤولية على عاتق المثقف اليوم، هي الكشف والبحث عن حلول جديدة لمواجهة الأزمة دون تهويل أو خوف".

من جهته، قال حسام السكري إن الوصول لمعادلة "متزنة" مناسبة لمجتمعات تبحث عن مساحة "وسطية" بين أقطاب متناقضة غير ممكن. فبالنسبة للمتحدث "هناك طيف واسع من الجماهير وأطياف وأنماط من الاستخدام. وفي عصر فضاءات الإنترنت المفتوحة، لا توجد إمكانية لرسم حدود يلتزم بها للجميع".

وأضاف المتحدث قائلا" "وسّع تيك توك من مساحات المشاركة كما لم يفعل تطبيق آخر، وضمن لفئات عمرية شابة ولطبقات أكثر شعبية بمراحل، الاستمتاع بمنصة تشاركية عالمية أعطتهم صوتا، طالما كانوا محرومين منه".

وأكد السكري: "كما هو الحال دوما سنسمع من خلال هذه المنصات العالمية مزيجا متباينا من الأصوات، بعضها ربما يكون مبتذلا، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن البعض الآخر يتألق بتفرد محتواه، وبمواهب دفعتها منصات تيك توك وغيرها لتظهر إلى الوجود".

عازفة كمان ونجمة على تيك توك: إيستر أبرامي

 

من إريتريا مرورا بليبيا نحو إيطاليا.. مهاجرات تتعرضن للسجن والصد

قضت مهرتاب، البالغة من العمر 27 عامًا من إريتريا، السنوات الست الماضية في محاولة الوصول إلى أوروبا، وقت يكفي شخصا في عمرها ومستواها التعليمي للحصول على درجة الدكتوراه. الشابة الإيريتيرية كانت قد أنهت دراستها في مجال الإلكترونيات في سن 21 عامًا، ثم غادرت بلادها خوفا من إلزامها بالخدمة العسكرية.

فعلى الرغم من أن القانون الإريتري يتضمن بنوداً واضحة تقتصر فيها مدة التجنيد العسكري على 18 شهرًا، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إلا أنه غالبًا ما تصير المدة غير محددة، ويكاد يكون من المستحيل تجنب تأدية الخدمة العسكرية ما دام الشخص في البلد.

انطلقت مهرتاب أولا إلى إثيوبيا، حيث عملت لمدة ستة أشهر تقريبا في متجر لألعاب الفيديو وكانت تحصل على حوالي 50 دولارا (46 يورو) شهريا. هذا المبلغ لم يكن يكفيها لشيء، فقررت السفر إلى ليبيا رغبة منها في الهجرة بحراً  نحو أوروبا. فاتصلت بأصدقائها الإريتريين الذين غادروا نحو ليبيا قبلها ليسهلوا مهمة لقائها بمهرب يوصلها إلى ليبيا.

الوصول إلى ليبيا

وبعد عبور السودان نحو ليبيا سيرًا على الأقدام واستعانة بالسيارة أحيانا، وصلت مهرتاب أخيرًا إلى مدينة صبراتة الساحلية الليبية، الواقعة على بعد حوالي ساعة بالسيارة من العاصمة طرابلس. هناك استقرت لمدة تسعة أشهر، ثم انطلقت في رحلتها الأولى  عبر البحر الأبيض المتوسط، بعدما دفعت لأحد المهربين مبلغ 6000 دولار، مبلغ شمل التوجيه الذي قادها عبر الصحراء إلى ليبيا.

خلال المرة الأولى التي حاولت فيها مهرتاب عبور البحر الأبيض المتوسط عام 2021، تحكي أنها تعرضت لاعتراض خفر السواحل الليبي ثم سُجِنت. وقالت إن حراس السجن مارسوا العنف على المهاجرين الذين يعيشون هناك، ولم يمنحوهم سوى وجبة صغيرة مرة واحدة في اليوم.

مهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتجهون إلى ليبيا على أمل الوصول إلى أوروبا
مهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتجهون إلى ليبيا على أمل الوصول إلى أوروباnull Joe Penney/REUTERS

ظلت الشابة الإيريتيرية هناك لمدة أسبوع قبل أن تتمكن من جمع المال اللازم لدفع ثمن خروجها من ذلك المعتقل، أي حوالي 700 دولار (حوالي 651 يورو).

قالت مهرتاب في حديثها لمهاجر نيوز "أنا محظوظة للغاية لأني تمكنت من الخروج بسرعة. أصدقائي بقوا هناك لمدة شهر أو شهرين. إذا لم تتمكن من دفع المال، فلن تتمكن من الخروج". كان من حظ الشابة الإيريتيرية، أنها حصلت على الأموال بمساعدة والديها وأصدقائها المتواجدين في مناطق متفرقة من ليبيا.

قامت مهرتاب بمحاولتين فاشلتين بعد ذلك لعبور البحر، وخلالهما أيضا تم القبض عليها من قبل خفر السواحل الليبي قبل أن تطأ قدماها القارب الذي كان من المفترض أن يوصلها إلى أوروبا. في المرة الأولى، تمكنت من الفرار قبل أن يُزج بها في السجن، لكن خلال المحاولة التي تليها، تم القبض عليها قبل أن يبحر القارب وسُجِنَت لمدة شهر قبل أن تحصل على مبلغ 1000 دولار (حوالي 930.20 يورو) لدفع ثمن خروجها.

كان حينها الفصل شتاء، توضح الشابة أن السجن كان باردا للغاية والتعامل فيه لا يطاق حسب تعبيرها. وذكرت المهاجرة  أنه مقابل هاتين المحاولتين الفاشلتين و"مبالغ كفالتها" غير القانونية، دفعت مهرتاب حوالي 4300 دولار (حوالي 4000 يورو).

فشلت المحاولة الثالثة، لكن مهرتاب نجحت في محاولتها الرابعة، بعد أن دفعت مبلغ 3000 دولار (حوالي 2790 يورو) للمهرب، وجدت مهرتاب نفسها على متن قارب أنقذت سفينة البحث والإغاثة Life Support المهاجرين الذين كانوا على متنه، وهي سفينة تابعة لمنظمة الطوارئ الإيطالية غير الحكومية. لكن العديد من أصدقاءها ما زالوا عالقين في ليبيا، وبعضهم في السجن حسب تأكيدها.

تقول الشابة الإيريتيرية "لدي الكثير من الأصدقاء مازالوا عالقين في ليبيا"، موضحة أن هذا هو السبب وراء رغبتها في سرد قصتها لمهاجر نيوز. "أحكي قصتي لأوصل معاناة أصدقاء مثل إخوتي مايزالون عالقين هناك في ليبيا".

مراهقة مهاجرة وحيدة بدون مال!

تم إنقاذ مهرتاب بعد 20 ساعة في البحر على متن قارب بمحرك مكسور. وكان إلى جانبها، من بين المهاجرين الآخرين  الذين تم إنقاذهم، نحو 10 إريتريين. إحداهن، فتاة تبلغ من العمر 19 عامًا، أمضت أيضًا سنوات في محاولة الوصول إلى أوروبا.

منظمة أطباء بلا حدود تنقذ مجموعة من المهاجرين في عرض البحر
منظمة أطباء بلا حدود تنقذ مجموعة من المهاجرين في عرض البحرnull DARRIN ZAMMIT LUPI/REUTERS

إليزابيث (اسم مستعار)، تختلف قصتها عن قصة مهرتاب لأنها لم تتمكن من الحصول على المال من العائلة أو الأصدقاء طوال رحلتها. فبينما يجد أشخاص من عائلات مثل عائلة مهرتاب طرقًا للحصول على المال لدعم أقاربهم في ليبيا عن طريق بيع ممتلكاتهم أو جزء من مزارعهم أو منازلهم، لم يكن لدى عائلة إليزابيث ما تقدمه لمساعدتها.

أصيب والدا إليزابيث، وهي طفلة في الخامسة من عمرها، بجروح خطيرة في النزاع الحدودي الذي شهدته كل من إريتريا وإثيوبيا، والذي انتهى عام 2018. أصيبت والدتها برصاصة في صدرها وأصيب والدها في ساقه، مما جعل من المستحيل على أي منهما العثور على عمل لإعالة الأسرة. في سن الخامسة عشرة، قررت إليزابيث مغادرة إريتريا والسفر إلى السودان بمفردها.

ومن الحدود الإريترية، حيث عاشت مع عائلتها، سارت لمدة ثلاثة أيام نحو السودان. وهناك، تواصلت بالمهربين الذين أحضروها إلى الخرطوم وقالوا إنهم سيأخذونها إلى ليبيا لعبور البحر.

سافرت من الخرطوم إلى ليبيا حيث عاشت في طرابلس لمدة ثلاث سنوات. كانت تنام في مأوى يملكه المهربون، مخصص للمهاجرين الإريتريين المثقلين بالديون والذين يأملون في  عبور البحر  إلى أوروبا لكنهم لا يستطيعون دفع الرسوم المطلوبة لركوب القارب.

ظلت الشابة عالقة في المنزل طوال اليوم دون أن تتمكن من المغادرة، أما الليبيون الذين هربوها إلى البلاد فقاموا بالحراسة دائما لضمان عدم مغادرة أحد، مما جعل كسب المال مستحيلا بالنسبة لإيليزابيث.

في مرحلة ما خلال فترة وجودها في ليبيا، وجدت إليزابيث نفسها في السجن، حيث شهدت انتهاكات مروعة. وقالت لمهاجر نيوز إنها شاهدت أشخاصاً يتعرضون لإطلاق النار والتعذيب على يد الحراس الليبيين، وذكرت أنها شاهدت ذات مرة امرأة حامل، أثناء الولادة، تصرخ طلباً للمساعدة، وقالت إليزابيث إن السيدة كانت بحاجة إلى رعاية طبية، لكن لم يأت أحد لنجدتها، وتوفيت.

بعد مضي سنوات في منزل المهرب، تمكنت إليزابيث من إقناعه بالسماح لها بالانضمام إلى قارب ومحاولة  الوصول إلى أوروبا. تقول إليزابيث إنها تريد أن تصبح ممرضة لمساعدة الناس. "إذا كنت لا تساعد الناس في الحياة، فلا فائدة منك".

رحلة باهظة الثمن!

في تصريح خص به مهاجر نيوز، قال يوهانس، وهو وسيط ثقافي إيريتيري في منظمة طوارئ تقدم المساعدة للمهاجرين الذين عبروا البحر، إن قصة إليزابيث تتكرر كثيرا، إذ يسمح المهربون لامرأة واحدة في مجموعة من عشرات وعشرات الرجال بالعبور دون دفع المال.

تعاني النساء بشكل خاص بسبب التجنيد الإجباري في إريتريا، حيث أبلغت العديد منهن عن تعرضهن لانتهاكات جنسية
تعاني النساء بشكل خاص بسبب التجنيد الإجباري في إريتريا، حيث أبلغت العديد منهن عن تعرضهن لانتهاكات جنسيةnull AP

وقال يوهانس، الذي غادر إريتريا أيضاً عام 2008، إن المهربين في ليبيا يدركون مقدار ما يمكنهم الحصول عليه من أشخاص مثل مهرتاب، التي كان بقاؤها في بلدها يعني الموت في الصراع أو الموت جوعاً.

وقال "في بعض الأحيان، يتقاضى المهربون من الإيريتيريين مبالغ كبيرة مقارنة بجنسيات أخرى، لأنهم يعرفون أنه لا بديل أمامهم، فالرحلة التي تكلف 6000 يورو للمصريين قد تكلف 20000 يورو للإريتريين".

لم تفتح إريتريا حدودها مع إثيوبيا إلا عام 2018، لكن قبل ذلك كانت مغادرة البلاد  مغامرة محفوفة بالمخاطر، كما أصبح عبور الحدود الإريترية السودانية أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة، لكن هدف هؤلاء  المهاجرين  هو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما لا يتراجعون عنه بسهولة.

يحصل الإريتريون بشكل عام على حق اللجوء بمجرد وصولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2023، تمت الموافقة على حوالي 83 بالمائة من طلبات اللجوء التي قدمها الإريتريون، وفقًا لوكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي.

مهاجر نيوز 2024

كلير روث

تقرير: هل تحول المسيرات الإيرانية مسار الحرب في السودان؟

قال مصدر كبير بالجيش السوداني لرويترز حصول الجيش السوداني على طائرات مسيرة من إيران. كما قالت ستة مصادر إيرانية ومسؤولون ودبلوماسيون بالمنطقة طلبوا، شأنهم شأن المصدر العسكري، عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات، لرويترز إن الجيش حصل على طائرات مسيرة إيرانية الصنع خلال الأشهر القليلة الماضية.

وذكر أكثر من عشرة من سكان الخرطوم أن القوات المسلحة السودانية استخدمت بعض الطائرات المسيرة القديمة في الأشهر الأولى من الحرب إلى جانب بطاريات صواريخ وطائرات مقاتلة، لكنها لم تحقق نجاحا يذكر في القضاء على مقاتلي قوات الدعم السريع المتمركزين في أحياء مكتظة بالسكان في الخرطوم ومدن أخرى.

وقال خمسة شهود من السكان إنه في يناير/كانون الثاني، أي  بعد تسعة أشهر من اندلاع القتال،  بدأ استخدام طائرات مسيرة أكثر فاعلية من قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمالي الخرطوم.

وقال سكان إن الطائرات المسيرة بدا أنها تراقب تحركات قوات الدعم السريع وتستهدف مواقعها وتحدد بدقة ضربات المدفعية في أم درمان، وهي واحدة من ثلاث مدن على ضفاف نهر النيل تتألف منها العاصمة الخرطوم.

وقال محمد عثمان (59 عاما) وهو من سكان حي الثورة في أم درمان "في الأسابيع الماضية، الجيش أصبح يستخدم مسيرات دقيقة في العمليات العسكرية أجبرت الدعم السريع على الهرب من مناطق كثيرة وجعلت الجيش يستطيع نشر قواته على الأرض في أم درمان القديمة بكثافة تحت حماية الطيران".

ولم تشر أي تقارير في السابق إلى حجم وطريقة نشر الجيش للمُسيرات الإيرانية في أم درمان ومناطق أخرى.

وأفادت وكالة بلومبيرغ ووسائل إعلام سودانية بوجود طائرات مسيرة إيرانية في البلاد.

ونفى المصدر الكبير بالجيش السوداني أن تكون المُسيرات إيرانية الصنع جاءت مباشرة من طهران، وامتنع عن ذكر كيفية شرائها أو عدد الطائرات التي حصل عليها الجيش.

وأضاف أن الجيش السوداني طور أيضا طائرات إيرانية مسيرة أنتجت سابقا ضمن برامج عسكرية مشتركة قبل قطع العلاقات بين البلدين في 2016، دون أن يسهب في تفاصيل. ولم تتمكن رويترز من التوصل لتلك التفاصيل على نحو مستقل.

وقال المصدر إنه على الرغم من عودة التعاون الدبلوماسي بين السودان وإيران العام الماضي، لا يزال التعاون العسكري الرسمي معلقا.

وردا على سؤال عن الطائرات المسيرة الإيرانية، قال وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، وهو حليف للجيش وزار إيران العام الماضي، لرويترز "لم يحصل السودان على أي سلاح من إيران". ولم ترد إدارة الإعلام بالجيش ولا وزارة الخارجية الإيرانية على طلبات التعقيب.

وأقرت قوات الدعم السريع بأنها تعرضت لانتكاسات في أم درمان. وقال مكتبها الإعلامي إن الجيش تسلم طائرات مسيرة إيرانية وأسلحة أخرى، استنادا إلى معلومات استخباراتية جمعتها. ولم تستجب لطلبات لتقديم الأدلة على ذلك.

وقالت المصادر الإيرانية والإقليمية إن دعم طهران للجيش السوداني يستهدف تعزيز العلاقات مع البلد ذي الموقع الاستراتيجي. ويقع السودان على ساحل البحر الأحمر، وهو موقع مهم في ظل المنافسة بين القوى العالمية، بما في ذلك إيران، مع احتدام الحرب في الشرق الأوسط.

والمكاسب في الآونة الأخيرة على الأرض هي الأكبر  بالنسبة للجيش منذ بدء القتال بالعاصمة السودانية في أبريل/نيسان 2023. والحرب بين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو ألقت بالملايين في براثن الجوع  وخلقت أكبر أزمة نزوح في العالم  وتسببت في موجات من أعمال القتل والعنف الجنسي ذات الدوافع العرقية في منطقة دارفور بغرب السودان.

ويقول خبراء من الأمم المتحدة إن الجهود الحربية لقوات الدعم السريع تحصل على دعم من دول إفريقية مجاورة منها تشاد وليبيا وجنوب السودان وهناك مزاعم يمكن تصديقها عن دعم مادي من الإمارات لقوات الدعم السريع.

نازحون سودانيون من دارفور باتجاه تشاد
خلقت الحرب في السودان أكبر أزمة نزوح في العالمnull David Allignon/MAXPPP/dpa/picture alliance

وذكر شاهدان أن نجاح الجيش في أم درمان سمح له اعتبارا من فبراير/شباط بمواصلة هجمات مماثلة باستخدام الطائرات المسيرة والمدفعية والقوات البرية في بحري شمالي الخرطوم لمحاولة السيطرة على مصفاة الجيلي المهمة لتكرير النفط.

وقال الجيش إن مكاسبه في الآونة الأخيرة ساعدت أيضا في تجنيد آلاف المتطوعين في المناطق التي يسيطر عليها. وعمليات تجنيد المتطوعين جارية منذ أكثر من ستة شهور وتتسارع منذ ديسمبر/كانون الأول.

وذكر مصدر إقليمي مقرب من الدائرة الحاكمة في إيران أن شركة الطيران الإيرانية (قشم فارس) نقلت طائرات مسيرة إيرانية من طرازي مهاجر وأبابيل للسودان عدة مرات منذ أواخر العام الماضي. وطائرات مهاجر وأبابيل المسيرة تصنعها شركات تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الإيرانية التي لم ترد بعد على طلب للتعقيب.

وتظهر سجلات تتبع رحلات جوية جمعها وقدمها إلى رويترز، فيم زويننبرغي من منظمة باكس الهولندية للسلام أنه في ديسمبر/كانون الأول 2023 ويناير/كانون الثاني 2024، قامت طائرة شحن من طراز بوينغ 747-200 تابعة لقشم فارس للطيران، بست رحلات من إيران إلى بورتسودان، وهي قاعدة مهمة للجيش منذ سيطرة قوات الدعم السريع على مواقع استراتيجية بالخرطوم في الأيام الأولى من الحرب.

ولم تشر أي تقارير سابقة إلى وتيرة هذه الرحلات. ولم ترد قشم فارس، الخاضعة لعقوبات أمريكية، على رسائل بالبريد الإلكتروني ومكالمات هاتفية. ولم يتسن لرويترز التأكد مما إذا كانت التفاصيل المذكورة بشأن شركة الطيران محدثة.

وذكرت قوات الدعم السريع أن الجيش يتلقى مرتين أسبوعيا شحنات تحملها طائرات شحن إيرانية تضم طائرات مسيرة وأسلحة أخرى من طهران.

وقالت لرويترز إن معلومات استخبارات قوات الدعم السريع أظهرت تسليم مُسيرات إيرانية من طراز مهاجر-4 ومهاجر-6 وأبابيل إلى بورتسودان. وقالت إنها أسقطت عددا من الطائرات المُسيرة. ولم تقدم قوات الدعم السريع أدلة على تسليم الطائرات المسيرة.

والحصول على أسلحة من إيران قد يعقد علاقات الجيش السوداني مع الولايات المتحدة  التي تقود مساعي لإجراء مفاوضات بين الطرفين المتحاربين. وقال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، إن الخوف من تزايد نفوذ إيران أو الإسلاميين المتطرفين في السودان من بين الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تعتقد أن هناك زخما للتوصل إلى اتفاق سلام.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن اطلعت على التقارير المتعلقة بالدعم الإيراني للجيش وتراقب الوضع. وقال المتحدث "الولايات المتحدة تعارض التدخل الخارجي لدعم الصراع في السودان... فهو لن يسفر إلا عن تفاقم الصراع وإطالة أمده ويهدد باتساع رقعة عدم الاستقرار الإقليمي".

ف.ي/أ.ح (رويترز)

مسلسلات رمضان بالمغرب تحت مجهر مواقع التواصل الاجتماعي

عادة ما تقابل الأعمال الدرامية والترفيهية المقدمة في التلفزة المغربية خلال شهر رمضان كل عام بانتقادات تطال الشكل والمضمون، لكن وتيرة هذه الانتقادات تصاعدت في السنوات القليلة الماضية مع اتساع هامش الحرية، الذي أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي كما ظهرت أعمال فنية بديلة عبر المنصات الرقمية أثرت على ذوق المشاهدين.

وفي الموسم الرمضاني 2024 تشير إحصاءات شركة (ماروك متري)المتخصصة في قياس نسب المشاهدة بالمغرب إلى ارتفاع نسب المشاهدة للأعمال الدرامية المحلية المعروضة على القناة الأولى، إذ تصدر مسلسل (جيت لداركم) بنحو 12 مليون مشاهدة تلاه مسلسل (2 وجوه).

أما بالنسبة للقناة الثانية فكان في صدارتها مسلسل (أش هذا)بعدد مشاهدات يناهز 11 مليونا، يليه على التوالي مسلسل (دار النسا)و(أولاد إيزة).

لكن رغم نسب المشاهدة الضخمة وتعدد الإنتاجات الدرامية والكوميدية توالت التعليقات السلبية بما يؤكد عدم رضاء المتابعين عما يقدم على الشاشة لدرجة وصلت إلى وصف بعض الأعمال على التلفزة المغربية بأنها "مبتذلة" و"لا تحترم وعي وثقافة المشاهد المغربي"وتنال بشكل ساخر من بعض الفئات الاجتماعية والمهن الراسخة.

وقالت مريم السلاوي طالبة الدكتوراه في التربية الجمالية "أظن أن التلفزة المغربية تقدم أعمالا لا تحترم عقلية المشاهد المغربي وذوقه، نجد ابتذالا متكررا في كل عام بالرغم من الأصوات المنتقدة،لا أدري هل هو استخفاف بالمشاهد المغربي؟".

وبينما وصلت الانتقادات ذروتها في عام 2019 بالدعوة إلى مقاطعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية الرمضانية باعتبارها تستنزف المال العام، رفض المسؤولون عن الإنتاج في التلفزة المغربية التعليق.

 أزمة بنيوية

يؤكد الناقد الفني والباحث في الجماليات والفلسفة إدريس القري أن ارتفاع نسبة المشاهدة ليس معيارا.وقال "هذه الأعمال تصادف وقت الإفطار، فكم من شخص يفتح التلفاز دون أن يعيره اهتماما، أو يفتحه لأجل انتظار آذان المغرب، فعشرة ملايين مشاهدة ليس بالضرورة عشرة ملايين متابعة".

وأضاف "الأمر يتعلق بأزمة بنيوية في التلفزيون المغربي، وخصوصا الأعمال التي لها علاقة بالتسلية... فعندما نقول أزمة بنيوية، ليس فقط لأن كل عام فيها طعن، وفي نفس الوقت تعرف متابعة مرتفعة فهذه مفارقة طبعا، لكن يجب أن ننظر إليها بعين ناقدة متفحصة".

وتساءل القري "لماذا هذه المفارقة، متابعة عالية بالرغم من الانتقاد الشديد من طرف أهل الاختصاص وعامة الشعب".

واسترسل قائلا "أنا اعتقد أن تفسير هذه الظاهرة، أولا لأن التلفزة المغربية غير مستقلة، لا تتمتع بالحرية التي يتمتع بها فنان ومثقف ومفكر... فبقوة القانون،التلفزيون المغربي يتبع لشركة واحدة، ليس  لها منافس على المستوى الوطني، وطبعا لا نتحدث هنا عن القنوات الأجنبية على الأقمار الاصطناعية، كما أنه ليس مفتوحا على المنافسة حتى تكون لجنة مستقلة متخصصة ولها معايير محددة للاختياروالتمويل والإنتاج".

كما تحدث القري عن "الاستقلالية المالية والقانونية، وعدم القدرة على الإنتاج السليم، وعدم إسناد الأمور إلى أهل الاختصاص من فنانين ومثقفين أكفاء مستقلين فكريا ولا علاقة لهم بعقلية الدولة وبخطوطها الحمراء".

 عدم رضاء الجمهور

ثمة عوامل أخرى يذكرها الناقد الفني سعيد مزواري تتسبب في ضعف المضمون المقدم بالتلفزة المغربية وعدم رضاء المشاهدين عن الأعمال من بينها غياب الإعداد المناسب وضيق الوقت لإنتاج المسلسلات والبرامج.

وقال "لا يأخذون الوقت الكافي للإعداد لهذه الأعمال سواء منها الرمضانية أو غير الرمضانية".وأضاف "أي عمل إبداعي يحتاج إلى نوع من النضج، إنضاج الرؤية، والاشتغال على السيناريو والممثلين قبل بداية التصوير، كما أن التصوير نفسه يجب أن يأخذ الوقت اللازم لتجربة الأشياء".

ويزيد على هذه العوامل الناقد مصطفى الطالب الذي يقول إن عنصري الإعلانات وذوق الجمهور الذي تغير مع الوقت في ظل ظهور منصات بديلة ووسائل بث حديثة.

وقال الطالب "في كل شهر رمضان تتكرر نفس الأسطوانة بقنواتنا العمومية أولا كثرة الإشهارات (الإعلانات) وكأننا في سوق تجاري وليس في قناة عمومية، ثانيا نفس الزخم الدرامي بشقيه الاجتماعي والفكاهي، الذي في غالب الأحوال لا يرقى إلى تطلعات المشاهدين في مجمله، ثالثا نفس شركات الإنتاج المستحوذة على الأعمال الرمضانية بحكم شعبيتها حتى وإن لم يكونوا في المستوى المطلوب".

وتساءل "من المستفيد من هذه الحالة العبثية.. هل المسؤولين عن التلفزتين (القناتين) لا يطلعون على هذه الانتقادات وحالة السخط التي تغمر وسائل التواصل الاجتماعي، أم أن الأمر له علاقة بالمشاريع الدرامية التي يتم تقديمها للجنة الدعم التي تختار أفضلها".

واستدرك "الحقيقة أن مؤسستنا الإعلامية والتلفزية تفرض على المشاهد اختياراتها الفنية ولا تبالي برغباته ولا تبالي بالمنافسة العربية والأجنبية التي تجذب إليها جمهور واسع خاصة من الشباب الذي يعيش بين اليوتيوب والمنصات الرقمية التي توفر له فرجة ممتعة وبجودة عالية"

منافس جديد

وبالتوازي مع الانتقادات المتكررة كل عام ظهرت بعض الأعمال الكوميدية لفنانين مغاربة اختاروا المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة الجمهور كما هو الحال مع الفنان المغربي باسو في سلسلة (السي الكالة).

وحققت الحلقات الأربعة الأولى من سلسلة (السي الكالة) ما يقارب من 10 ملايين مشاهدة. وترمز (الكالة) في العامية المغربية‭ ‬إلى‭‬ "الوساطة القوية".

وبينما اعتبره البعض بديلا لما تعرضه القناتان المغربيتان الرسميتان، وصف البعض الآخر أسلوبه "بالفج" و"المباشر" في الانتقاد والسخرية من الواقع المغربي خاصة فيما يتعلق بالحديث عن الفساد والمحاباة. واعتذر باسو عن الحديث عندما طلب منه التعليق.

وقال القري "ما زلنا في بداية الطريق، فماذا يفسر انتقال النقاش إلى وسائل التواصل الاجتماعي؟.. لأنه ليس لدينا نقاش يومي حر في التلفزة المغربية من طرف نقاد ومحللين ومفكرين".

وأضاف "باسو أو غيره لا يهمني ما يقوله أو مدى شجاعته أو قدرته على الانتقاد بقدر ما تهمني الصيغة الفنية الإبداعية التي يقدم بهاعمله".

وتابع قائلا "يمكن أن ننتقد في التلفزيون بنفس الطريقة التي ننتقد بها في يوتيوب، بأسلوب راق وجميل ويكون أكثر نجاعة وفاعلية،وليس بنوع من الهجومية.. فهامش الحرية في يوتيوب لا يعني أن تكون سليط اللسان، فالحرية الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي إذا لم تقترن بنقد ناضج وبلغة فنية مقبولة تحترم الإنسان فلا معنى لها".

ر.م (رويترز)

حزن وصدمة في تونس بوفاة "طبيب الفقراء" الشاب المفاجئة

لم يكن الطبيب الشاب جاد الهنشيري نجما على منصات السوشيال ميديا في تونس ولكن صوته كان مسموعا في نضاله ضد الفساد وتدهور القطاع الصحي. ورحيله المفاجئ في ريعان شبابه عن سن 37 عام، أشاع حالة من الحزن وأحدث ضجة دفعت الجميع إلى نعيه ونعي قطاع الصحة العمومية المتعثر من ورائه، والذي خسر بموته مدافعا شرسا عن خدمات القطاع العام في المجال الصحي.

عرفت ميادين المجتمع المدني والسياسي في تونس خلال فترة الانتقال الديمقراطي والسياسي منذ 2011، بروز عدد كبير من المناضلين المدافعين عن الحريات العامة والتعددية السياسية والدولة المدنية في حراك لا يزال مستمرا حتى اليوم. لكن الشاب جاد الهنشيري الذي ترأس لفترة المنظمة التونسية للأطباء الشبان، عرف بنضاله من أجل استعادة الدور الاجتماعي للدولة وانتقاداته للسياسات الصحية للحكومة.

"طبيب الغلابة" في تونس

ويعد جاد إحدى الشخصيات الشبابية المحبوبة لدى الرأي العام في تونس، ليس فقط بسبب تفوقه الدراسي والمهني ولكن أيضا لحماسته والتزامه في الدفاع عن حق المواطن في خدمات صحية لائقة بالصحة العمومية مستخدما صوته وجرأته. كما يصفه كثيرون "بطبيب الفقراء والمحتاجين" و"طبيب الغلابة" لوقوفه مع الطبقة الفقيرة، أسوة باالطبيب المصري الراحل محمد مشالي في مصر.

وبينما أعلنت السلطات القضائية عن فتح تحقيق في ظروف وملابسات وفاته المفاجئة بشقته وسط مدينة صفاقس، أين وجد ميتا، فإن ردود الفعل لم تتوقف بوسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إزاء الخبر الصادم لوفاته والخسارة الكبيرة التي خلفها رحيله.

فقد نعت وزارة الصحة جاد كما أعلنت المنظمة التونسية للأطباء الشبان في تدوينة أرفقتها بصورة الطبيب الراحل من إحدى وقفاته الاحتجاجية، الحداد لمهنة الطب في تونس.

ونعت نقابة الصحافيين التونسيين جاد، اذ لطالما شارك الشاب الراحل في كثير من وسائل الاعلامية للدفاع عن وضع الأطباء الشباب ووضع المستشفيات المتردي في عدة جهات فقيرة بالبلاد وكشف الفساد المتفشي بأقسامها.

وكتبت النقابة في بيان نعي لها "عرفنا الراحل مناضلا صلبا داخل الاتحاد العام لطلبة تونس من أجل الحق النقابي والحريات الأكاديمية وانفتاح الجامعة على محيطها، كما خبرناه في العمل النقابي مدافعا عن مهنة نبيلة لصالح  الفئات الهشة والمفقرة، وخدمة عامة لا تخضع للتمييز أو المقايضة أو التسليع".

لكن جاءت أكثر ردود الفعل تأثرا من عائلته المكلومة وتحديدا من شقيقه حمادي الجزيري، الذي وصف أخيه بـ"الجندي البطل والعنيد الشجاع".

جنازة مشهودة لمناضل استثنائي

ومنذ زمن بعيد لم تشهد مدينة أم العرائس بمنطقة الحوض المنجمي بولاية قفصة في الجنوب، وبشهادة أهلها وأصدقاء الطبيب الراحل، جنازة مهيبة كتلك التي شيعت جثمان جاد.

وقال نجم النشرات الجوية بوسائل الاعلام في تونس محرز الغنوشي، الذي كان حاضرا في وداعه الأخير "كانت جنازة مهيبة ولم يعشها كثير من المسؤولين". وكتب تعليقا في تدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي مستعينا بمقطع شهير من النشيد الوطني "حياة الكرام وموت العظام".

وينظر الى جاد كأحد رموز المنطقة المنتجة لمادة الفوسفات، والتي عرفت بنضالاتها التاريخية ضد الاستعمار الفرنسي وكانت لها وقفات شجاعة ضد الحكم الاستبدادي بعد الاستقلال. وتكريما لنضالاته طالب متصفح يدعى محمد السعيدي على الصفحة الخاصة بمنطقة أم العرائس (أم العرائس تجمعنا) على فيسبوك، بأن يطلق اسم جاد الهنشيري على المستشفى المحلي بعد ان يتم الترفيع في تصنيفه وتجهيزه.

وعكس التيار الذي سار فيه أغلب الأطباء الشبان في تونس، فإن جاد وبشهادة مدونين، لم يسع الى الظفر بعقد عمل في مستشفيات فرنسا أو ألمانيا وإنما ظل ملتزما بالدفاع عن الصحة العمومية وبمكافحة الفساد.

وكان جاد من بين القليلين الذي واجهوا نفوذ الدوائر النقابية في قطاع الصحة وحالات التسيب والفساد والافلات الشائع من العقاب وما وصفها بـ"المافيا" القوية في الجسم الطبي والإداري بالقطاع في حواره لموقع بودكاست.

وضع متردي للصحة العمومية

وبينما كان قطاع الصحة أحد الأعمدة الأساسية التي بنيت فوقها دولة الاستقلال إلى جانب قطاع التعليم منذ خمسينات القرن الماضي، فإن تقادم التجهيزات والبنية التحتية التي يعود بعضها إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، على مدى عقود أثرا بشكل كبير على جودة الخدمات في المؤسسات الصحية العمومية.

ودفع هذا التراجع إلى خسارة مضاعفة لتونس بهجرة الآلاف من أطبائها إلى الخارج، نجو الدول الأوروبية أساسا ودول الخليج العربي من أجل رواتب أفضل.

إبان جائحة كورونا شهد قطاع الصحة في تونس احتجاجات واسعة للعاملين به، 2021
إبان جائحة كورونا شهد قطاع الصحة في تونس احتجاجات واسعة للعاملين به null Jdidi Wassim/ZUMAPRESS/picture alliance

ومن بين ما يفوق 30 ألف من الكفاءات التونسية المهاجرة سنويا بحسب المرصد التونسي للهجرة، فإن المئات من الأطباء يغادرون تونس كل عام. وتقول عمادة الأطباء إن 80 بالمئة من الأطباء حديثي التخرج من اختصاصات مختلفة يغادرون تونس سنويا بسبب تردي ظروف العمل والإفتقاد الى التجهيزات اللازمة وضعف الأجور.

واليوم يضاف إلى هؤلاء، الطبيب جاد الذي رحل عن عالم الدنيا بلا رجعة. بعد أن ظل لسنوات يكافح لإحداث تغيير حقيقي في المؤسسات الصحية العمومية. جاد شكى مرارا من غياب آلات "سكانار" في عدة مستشفيات، الأمر الذي يضاعف من محنة المرضى الفقراءفي المناطق المهمشة، ومن نقص الأطباء ومن البيروقراطية.

تونس فقدت "حكيمها"

وعلق مولدي القسومي الباحث في علم الإجتماع والناشط بالمجتمع المدني في تدوينة مطولة تضمنت تأبينا للراحل جاد، بأن "تونس المريضة ودعت حكيمها وكانها تعرض عن الحياة".

وتابع القسومي في تدوينته العاطفية "تونس السقيمة لم تنصت إلى طبيبها الفتي، وهي في أوكد الحاجة إلى حكمته، وطاقته، وإبداعه، وشجاعته، وعنفوانه، فغادرها مبكّرا وهو في ريعان الشباب. وإن لم تكن مغادرته يأسا وقنوطا فلا شيء يُنبئ بأنّه غادرها وهو مطمئنّ عليها".

يتناقل مستخدمو مواقع التواصل الإجتماعي، بعد وفاة جاد ما قاله في آخر ظهور له على منصة رسمية في برنامج اعترافات عميقة "أريد أن أرى قطاع الصحة مزدهرا عندها فقط ساكون مرتاحا". لكن جاد رحل ولا يزال قطاع الصحة يتخبط.

وقال الطبيب والناشط المخضرم بقطاع الصحة سمير عبد المومن في تدوينة تعليقا على رحيل جاد ونضالاته "ما قاله المرحوم الدكتور جاد الهنشيري في حديثه الأخير كان يعلمه القاصي والداني من أهل مهنة الصحة ولكن لم تكن لهم الجرأة للبوح به كما فعل المرحوم. فكانت وصيته الأخيرة لتغيير هذا الوضع المزري".

وأردفت الصحفية والناشطة نوال بيزيد التي حاورت جاد في آخر مقابلة له على منصة بوداكاست "نحن الآن أمام أمر واقع.. جاد رحل ولكنه كان بدأ مشوارا لم يكن لينجح فيه بمفرده حتى لو بقي على قيد الحياة. لذلك يتعين على كل فرد أن يتحمل مسؤوليته ويقوم بما يمليه عليه واجبه. أنا متاكدة أن جاد ترك خلفه جيشا ولن تقف القصة عذد هذا الحد".

طارق القيزاني - تونس

تونس: صدور حكم في قضية إغتيال بلعيد - مصالحة أم نكأ للجراح؟

شملت الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإبتدائية في تونس 23 متهما من بينهم 14 موقوفا في السجن وتسعة بحالة سراح، ونصت على عقوبة الاعدام ضد اربعة متهمين والسجن مدى الحياة ضد متهمين اثنين بينما تراوحت باقي الأحكام بالسجن لمدة تتراوح بين العامين و120 عاما. وسيخضع متهمون آخرون إلى العقوبة الإدارية بين ثلاثة وخمسة أعوام. كما أخلت المحكمة سبيل خمسة متهمين.

يُنظر إلىقضية شكري بلعيد القيادي اليساري التونسي، على مدى سنوات ومنذ بداية تحريكها في 2013، كساحة معركة سياسية بامتياز مرسخة لحالة الإنقسام المتجددة بين الإسلاميين من جهة وتيار أقصى اليسار والمتضامنين معهم من جهة أخرى. ويقول رشيد خشانة الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون  المغاربية ونائب رئيس "الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية" في تونس، لـDW عربية، إن كل طرف سياسي، بما في ذلك هيئة الدفاع والحقوقيين أيضا، يحاولون أن يجعلوا من الأحكام الصادرة عن القضاء مكاسب لهم.

إغتيال بلعيد كان منعطفا

اغتيل شكري بلعيد وهو محام وسياسي معارض محسوب على تيار اليسار وذو توجهات قومية عروبية، بالرصاص على أيدي متشددين من أمام مقر سكنه قرب العاصمة واعتبر حتى ذلك الوقت المعارض الرئيسي لحكومة التحالف التي قادها إسلاميون حزب النهضة.

ولطالما كال حزبه "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" (الوطد) الذي كان بلعيد يتزعمه، الاتهامات المباشرة والصريحة لحركة النهضة الإسلامية بالتحريض على اغتياله، وفي الحد الأدنى بـ"المسؤولية السياسية" وراء ذلك، وهو ما ظلت الحركة تنفيه بشدة.

كانت وفاة بلعيد قد تسببت في اضطرابات خطيرة في البلاد واحتجاجات في الشوارع تزامنت مع تشييع جثمانه في جنازة مشهودة. قابلتها مسيرات مضادة داعمة للحكومة. لكن مع حادثة الاغتيال الثانية بنفس العام والتي ذهب ضحيتها السياسي والنائب في البرلمان محمد البراهمي عن "التيار الشعبي" القومي العربي، اضطر الاسلاميون في نهاية المطاف إلى التنحي عن الحكم تحت ضغوط كبيرة.

نشطاء يساريون يحتجون في شوارع العاصمة تونس في ذكرى إغتيال شكري بلعيد يوم 6 فيبراير شباط  (2021)
نشطاء يساريون يحتجون في شوارع العاصمة تونس في ذكرى إغتيال شكري بلعيد يوم 6 فيبراير شباط null Fethi Belaid/AFP/Getty Images

وجنب الحوار الوطني بين الفرقاء السياسين، الذي قاده الاتحاد العام التونسي للشغل بمعية منظمات مجتمع مدني أخرى، البلاد حربا أهلية ليتم الاتفاق بتشكيل حكومة انتقالية حتى انتخابات 2014 التي صعدت بحزب "حركة نداء تونس" بقيادة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي إلى السلطة.

ارتياح لدى عائلة بلعيد

وفي حين يرى حزب حركة النهضة، المعني أكثر بالاتهامات بالمسؤولية السياسية عن الاغتيال، أن الاحكام القضائية تمثل بالنسبة إليه صك براءةلا غبار عليه فإن هيئة الدفاع عن بلعيد وحزبه "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" يعتبرون هذه الأحكام بمثابة البداية ليس إلا.

تلقت عائلة السياسي الراحل شكري بلعيد بارتياح صدور الأحكام، وهو الانطباع الذي بدر عن شقيقه عبد المجيد بلعيد الذي صرح لوسائل الإعلام المحلية بأن صدور العقوبات يعد أول خطوة ملموسة بعد 11 عاما من التقاضي واول تعامل جدي مع القضية، ما يعطي وفق رأيه أملا وثقة في استكمال باقي المسار القضائي.

لكن عبد المجيد بلعيد يأمل الذهاب إلى أبعد من الإدانات المعلنة، لتشمل الخصوم المباشرين للسياسي الراحل، وفي مقدمتهم قياديين من حركة النهضة الاسلامية، على رأسهم زعيم الحركة راشد الغنوشي، الذي يقبع في السجن منذ حوالي سنة على خلفية إتهامه في قضايا أخرى.

ويوضح المحامي والأمين العام لـ"حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد" المنجي الرحوي في حديثه مع DW عربية، بأن الأحكام تخص فقط المجموعة التي نفذت الاغتيال بينما لا تزال التحقيقات مفتوحة بشأن المجموعة التي قامت بالتغطية والمجموعة التي خططت، أي الجهة السياسية التي حرضت ودفعت إلى اغتيال بلعيد ويقول السياسي بحماس "ننتظر اكتمال المسؤولية الجزائية بالجهة السياسية التي حرضت".

وتستند المسؤولية السياسية وفق الأمين العام وهيئة الدفاع، الى المناخ العام الذي سبق عملية الاغتيال والذي وجهت من خلاله اتهامات لحركة النهضة الحاكمة انذاك، بالسماح بانتشار الفكر السلفي المتشدد مع جماعة "أنصار الشريعة" وتفشي موجة التكفير إلى جانب السماح بتوافد الدعاة المتشددين من الشرق العربي على البلاد وظهور قياديين من حركة النهضة ومن بينهم زعيم الحركة راشد الغنوشي، في لقاءات مع البعض من أنصار الشريعة.

"رد اعتبار" للنهضة والغنوشي

على النقيض من ذلك تعتبر حركة النهضة اتهامات خصومها "مجانية ومضللة" ولا تستند إلى حقائق. وفي خطابات كثيرة لقيادييها، قدمت الحركة نفسها كأحد المكافحين للارهاب والتكفير، لجهة أن انصار الشريعة كان يهدد في ذروة نشاطه والعمليات الارهابية التي نفذها لاحقا، بنسف مسار الانتقال الديمقراطي برمته وإشاعة الفوضى في البلاد.

وحظرت الحركة عندما كانت تقود السلطة بين 2011 و2013، بالفعل أنشطة تنظيم "انصار الشريعة" الذي برز على الساحة بعد ثورة 2011 مستفيدا من مناخ الحرية، وصنفته تنظيما إرهابيا في آب/أغسطس عام 2013، أي بعد نحو شهر من حادثة الاغتيال الثاني التي راح ضحيتها السياسي والنائب في البرلمانمحمد البراهمي بنفس الطريقة على أيدي متشددين.

زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الموقوف منذ نحو عام في السجن في قضايا سياسية وأمنية
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الموقوف منذ نحو عام في السجن في قضايا سياسية وأمنيةnull Hasan Mrad/DeFodi Images/picture alliance

وفي تعليقه على الأحكام التي صدرت عن المحكمة يقول المتحدث باسم حركة النهضة والنائب السابق في البرلمان عماد الخميري لـDW عربية، إن "الاحكام ركن مادي وموضوعي وهي تنهي سنوات من الاتهامات المجانية من قبل اطراف سياسية لم تدر الصراع السياسي بديمقراطية واختارت الزج بالحركة في اتهامات خطيرة"، واستدل الخميري في تأكيد براءة حزيه، بأن المتهمين كانوا "صرحوا في كامل مراحل التحقيق أنهم الضالعون وأنهم هم من نفذوا وخططوا وهم الجهة المسؤولة".

ويعتقد الخميري أنه رغم صدور الأحكام، فإن الادعاءات لن تتوقف لدوافع ايديولوجية لكنه لفت إلى ان الحركة لن تبقى موكتوفة الأيدي وستثير دعاوي قضائية ضد كل يرميها بنفس الإداعاءات.

ولا تنظر حركة النهضة إلى الأحكام كواجهة قانونية وشرعية، لبراءتها من الاتهامات فحسب، ولكن أيضا دافعا قويا للمطالبة برد الاعتبار، وهو ما تضمنه بيان رسمي صدر عن حركة النهضة يدعو فيه ايضا إلى الافراج عن زعيم الحركة راشد الغنوشي، الموقوف منذ نحو عام في السجن في قضايا تتعلق بـ"الارهاب" و"فساد مالي" و"التحريض ضد السلطة"، وهي اتهامات نفتها الحركة واعتبرتها مفتعلة.

براءة أم إدانة؟

وفي كل الأحوال فإن الاحكام والعقوبات المعلنة وان كانت قد قطعت شوطا في كشف الحقائق الغامضة خلف واحدة أهم قضايا الاغتيالات السياسية في البلاد، فإنها ساهمت كذلك في تحريك مياه راكدة وفي إعادة الجدل القديم بين الاسلاميين وخصومهم. وتبدو معها قضية بلعيد أبعد من حسمها في هذه المرحلة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي رشيد خشانة لـDW عربية "من السابق لأوانه الحديث عن احكام نهائية ذلك أن ما صدر عن القضاء ستكون له استتباعات قانونية وتداعيات ليس على المستوى الوطني فقط ولكن أيضا على المستوى الدولي، لجهة أن القضية تتعلق بالارهاب العابر للدول".

ومن وجهة نظر خشانة، فإن صدور الأحكام كان ضروريا بعد طول انتظار. وكان من المهم ان تحسم الجدل سواء بتبرئة حركة النهضة أو بتوريطها". غير ان هذا لم يحسم بعد والحقائق لا تزال منقوصة.

الرئيس قيس سعيد اعتبر قضية إغتيال شكري بلعيد قضية وطنية
الرئيس قيس سعيد اعتبر قضية إغتيال شكري بلعيد قضية وطنيةnull Tunisian Presidency/APA Images/ZUMA/picture alliance

ويعتقد خشانة أن القضية ستستمر في تأجيج الصراع طالما ان التحقيق مستمر، لا سيما مع تلقي المسار القضائي زخما ودفعة بعد التصريح بأولى العقوبات بحق المورطين في الاغتيال.

ويجعل هذا الواقع من "المصالحة" المعطلة منذ سنوات أمرا بعيد المنال، إذ تقف الأطراف السياسية المعنية بالصراع على طرفي نقيض حتى مع صدور العقوبات الأولى في قضية بلعيد.

فمن جهة يدرج المتحدث باسم حركة النهضة عماد الخميري في حديثه مع DW عربية، مسألة المصالحة ضمن أدبيات الحزب وفكره السياسي، وهو الخيار الوحيد وفق تقديره، للتعايش السياسي ونبذ "الاستئصال والاستبداد".

ومن جهة أخرى، يقر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي لـDW بأن المصالحة ليست في وارد الحزب تماما، وان هذا الموقف لا يتوقف على حادثة الاغتيال فقط وإنما يتعداه إلى "الهوة" الكبيرة بين المدرستين. ويوضح الرحوي ذلك "نحن نختلف معهم جوهريا. نحن النقيض لهم في الخط الوطني وفي بناء الدولة المدنية".

وعلى الرغم من أن طبيعة الصراع السياسي اليوم في ظل سيطرة الرئيس قيس سعيد على السلطة، يأتي في سياق مغاير لما كان عليه الوضع من استقطاب حاد، بين الاسلاميين المتصدرين للحكم وخصومهم في فترة اغتيال بلعيد والبراهمي، فإن لا أفق واضح للمصالحة التي باتت أكثر تعقيدا.

ويعتقد رشيد خشانة أن ملف المصالحة كان يفترض أن يحسم خلال فترة تقصي "هيئة الحقيقة والكرامة" حول انتهاكات الماضي والتي أنهت أعمالها في 2018.

المغرب: المياه العادمة وتحلية مياه البحر لمواجهة تداعيات الجفاف

يبدو أن أصوات المستحمين في الحمامات الشعبية في المغرب، وهم يطلبون مزيدا من المياه الساخنة خلال سنوات ثمانينيات القرن الماضي ستعود إلى يوميات هذه الفضاءات، يعلق أحد رواد المنصات الاجتماعية بلكنته المراكشية وبلغة ساخرة. يأتي هذا بسبب إقدام السلطات المغربية على إغلاق جزئي للحمامات الشعبية في وجه المستحمين نظرا لتداعيات ندرة المياه. وفي مشهد آخر لكنه قاس للغاية لصور يعرضها أحد نشطاء التواصل الاجتماعي لسد المسيرة، ثاني أكبر سد في المغرب وهو شبه جاف. ويضيف متحسرا على خطر العطش الذي قد يتهدد ساكنة الدار البيضاء(وسط غرب البلاد) أكبر مدن المملكة وحصنها الصناعي.

مشهدان يلخصان قلق المغاربة على ندرة المياه التي تتهدد البلاد بسبب الجفاف الذي يعيشه المغرب للسنة السادسة على التوالي. فالمغرب هو "أحد أكثر البلدان شحا بالمياه في العالم، وهو يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا"، بحسب البنك الدولي.

منذ مدة وهذا البلد الشمال إفريقي يحاول التعامل مع هذه الإشكالية الهيكلية من خلال عدة تقنيات من بينها: التقنيات المستخدمة لمعالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر للتغلب على تداعيات الانحباس الحراري. في تصريح لـ DW  عربية تقول ليلى ماندي الخبيرة في الموارد المائية والمديرة السابقة للمركز الوطني للدراسات و الأبحاث في مجال المياه التابع لجامعة مراكش: "إن اعتماد تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي يمكن أن يكون له دور كبير في تعزيز الاستدامة المائية ومكافحة تغير المناخ".

الأمل معقود على تحلية مياه البحر

خوف سكان مدينة الدار البيضاء والمناطق المجاورة لها والممتدة إلى مشارف مراكش من العطش بسبب تراجع مخازن السدود كونها المزود الرئيسي لمياه الشرب، لا يوازيه إلا الأمل الذي أنعشه الإعلان عن انطلاق الأشغال بداية هذه السنة بمحطة الدار البيضاء، وهي الأكبر في المغرب لتحلية مياه البحر. ينتظر أن يكون الجزء الأول منها جاهزا في 2026 لتوفير مياه الشرب والسقي والمياه للاستعمال الصناعي. وقد وصفها وزير التجهيز والماء نزار بركة "بالتاريخية"، نظرا لحجم التكلفة المقترحة المتمثل في أقل من أربعة دراهم (عشرة دراهم تساوي يورو واحد) لتحلية كل متر مكعب"، مبررا أن الأمر راجع لاعتمادها على الطاقات المتجددة.

الدكتورة ليلى ماندي خبيرة في الموارد المائية والتنمية المستدامة
الدكتورة ليلى ماندي خبيرة في الموارد المائية والتنمية المستدامةnull Privat

يشار إلى أن المغرب يتوفر حاليا على 14 محطة، ويسعى إلى تشغيل عدد منها بالاعتماد على الطاقة الخضراء. وفي تصريح لـ DW عربية، قال وزير التجهيز والماء نزار بركة: "إن المغرب سينتقل في غضون السنوات القادمة إلى إنتاج مليار و400 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، وهو ما سيمكن من تزويد حوالي 50 بالمائة من الساكنة بالمياه الصالحة للشرب انطلاقا من تحلية مياه البحر". بالرغم من تأخر انطلاق الاشغال بمحطة الدار البيضاء، إلا أن تحلية مياه البحر قد يشكل بر الأمان في المغرب نظرا للتداعيات الخطيرة للتغير المناخي، بحسب المسؤولين.

لذا يطالب الخبراء بإيجاد حل لمعضلة التمويل لتسريع وتيرة إنجاز محطات تحلية مياه البحر: "في ظل الجفاف الذي أصبح يلازمنا والضغط الديموغرافي والتطور الصناعي الذي يتطلب منسوبا كبيرا من المياه لن توفره التساقطات المطرية، يشكل تحلية مياه البحر أمل المغاربة لتدارك معضلة ندرة المياه.  لذا يمكن أن يلعب البحر بواجهته الأطلسية والمتوسطية دور قاطرة التنمية."، تقول أميمة خليل الفن، الباحثة المتخصصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة في تصريح خصت به DW  عربية.    

المياه العادمة: من قاتل بيئي إلى مصدر حيوي

لا تعاني الموارد المائية في المغرب من الاستنزاف فقط، بل أن خطر التلوث يهدد "الذهب الأزرق" أيضا. إذ تشير تقديرات الخبراء إلى أن 80 بالمائة من الفرشة/ المياه الجوفية ملوثة جراء النفايات المنزلية والصناعية. لذا بدأ منذ مدة اهتمام المغرب باحتواء الانعكاسات الصحية والبيئية والاقتصادية للمياه العادمة. بالرغم من وجود سوى 158 محطة لمعالجة النفايات السائلة، فإن المغرب يعول أيضا على هذه التقنية للتغلب على ندرة المياه. إذ تسعى الرباط إلى تحقيق معدل معالجة يصل إلى 90 بالمائة مما تلفظه مجاري المياه العادمة ونفايات المصانع بحلول 2030.

إلى جانب سقي المساحات الخضراء، فإن الاستثمار في معالجة المياه العادمة، يجني منه المغرب فوائد عديدة على صعيد السلامة البيئية، وعلى صعيد توفير الطاقة، والأسمدة أيضا، في نظر الخبراء: " استخدام المياه العادمة في الري الزراعي، أو في الصناعة، أو حتى في الاستخدام المنزلي لأغراض لا تشمل المشروبات، يمكن من توفير كميات كبيرة من المياه العذبة وتقليل الضغط على الموارد المائية التقليدية"، بحسب ما صرحت به لـ DW عربية، ليلى ماندي الأستاذة الجامعية وعضو الأكاديمية الفرنسية للمياه. وفي غياب معطيات رسمية حول استفادة قطاع الزراعة وسقي المساحات الخضراء من المياه العادمة، نجد أن العاصمة الرباط استفادت كثيرا من هذه التقنية. إذ انخفض في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، الاستهلاك الكلي للمدينة من مياه الشرب بنسبة 10,8 في المائة بفضل استخدام المياه غير التقليدية للسقي وتحسين أداء شبكة مياه الشرب، بحسب السلطات.

أهمية تغيير السياسات الزراعية

الإغلاق الجزئي للحمامات الشعبية في وجه المستحمين، وانقطاعات مياه الشرب على المنازل في بعض الفترات عزز وعي بعض المغاربة بخطورة الوضع الذي يتهدد هذه المادة الحيوية. غير أن ذلك غير كاف في نظر بعض الخبراء، الذين يطالبون المغرب بمراجعة السياسة الزراعية، خاصة وأن هذا القطاع الزراعي يعد أكبر مستهلك للمياه بحوالي 88 بالمائة، وفقا للبنك الدولي.

كما أن اعتماده على زراعات موجهة نحو التصدير يستنزف الثروة المائية للبلاد على حد قولهم: "غياب الحكامة في تدبير هذه المادة الحيوية، وتصدير المياه على شكل فواكه يزيد من إنهاك هذه الثروة. مساهمة  القطاع الزراعي في الناتج المحلي تبقى ضعيفة بالنظر إلى الخطر الذي يهدد المياه."، بحسب أميمة خليل الفن. وعلى الرغم من التحديات التقنية والتمويل التي تواجهها بعض محطات معالجة المياه العادمة والتحلية، إلا أن هذه المحطات يمكن أن تشكل مصادر حيوية لمياه الشرب والاستعمالات الأخرى، خاصة إذا تمكن المغرب من الاستفادة من تقنية حرق النفايات المنزلية لتوفير الطاقة لتشغيل هذه المحطات، كما هي الحال في إسبانيا، بحسب بعض الخبراء.

محمد مسعاد

جمعيات: العنف بحق المهاجرين والإفلات من العقاب أمر "سائد" في تونس

أوضحت 30 جمعية داعمة لحقوق المهاجرين، في بيان صحفي مشترك، يوم الاثنين 18 آذار/مارس، تزايد حالات العنف والعنصرية وكراهية الأجانب في تونس، لا سيما المهاجرين  في البلاد.

وذكرت في بيانها وصول "العنف المؤسسي والشرطي ذروته مع تزايد شبكات تهريب المهاجرين  من جنوب الصحراء، الذين تسلمهم الميليشيات الليبية على الحدود".

وأشارت إلى وجود تواصل بين شبكات التهريب والميليشات الليبية أثناء نقل المهاجرين قسرا من تونس إلى ليبيا، وإلى تزايد حالات الخطف مقابل فدية خصوصا في مدينة صفاقس.

إلى جانب ذلك، أكد بيان الجمعيات على ارتفاع نسبة  النساء المهاجرات  اللاتي يقبعن عرضة عنف جنسي، ”وهي ظاهرة يبدو أنها منتشرة على نطاق واسع مع الإفلات التام من العقاب".

العودة إلى بداية الأحداث

بدأ تصاعد أعمال العنف بحق المهاجرين في تونس عقب إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في شباط/فبراير 2023، أن ”جحافل المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى" تشكل تهديداً على ”ديموغرافية البلاد". وأسفر الإعلان عن موجة ”رهيبة" من العنف عاثت البلاد، لا تزال آثارها إلى اليوم، وفق بيان الجمعيات.

مهاجرون يتهمون تونس بطردهم إلى الصحراء والأخيرة تنفي

وباشرت السلطات التونسية منذ ذلك الحين، باعتقال  المهاجرين  وخصوصا القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، في الشوارع وفي المنازل، قبل طردهم إلى أماكن صحراوية على الحدود مع الجزائر وليبيا. وهي ممارسة أكدتها المنظمة العالمية لمكافحة التعذيب، وقالت في تقرير نشرته في كانون الأول/ديسمبر عام 2023، إنها أكثر ”تنظيما وانتظاما".

وأوضحت المنظمة في التقرير أن المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في تونس، يتعرضون "لعنف مؤسساتي يومي" من "اعتقالات تعسفية وتهجير قسري وإبعاد غير قانوني"، باتجاه الحدود مع ليبيا والجزائر.

وجاء التقرير بعد خبر وفاة 27 مهاجرا (على الأقل) من أفريقيا جنوب الصحراء بعد طردهم من تونس باتجاه الحدود الليبية، في آب/أغسطس 2023.

مع ذلك، نفت السلطات التونسية انتهاج ممارسات الطرد والعنف بحق المهاجرين، وكان أكد المتحدث التونسي باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبالي لمهاجرنيوز، في كانون الأول/ديسمبر عام 2023، "لا شيء يحدث على الحدود مع ليبيا (من طرف السلطات التونسية)، ولا توجد عمليات طرد. نحن نحاول مساعدة المهاجرين  وتنفيذ عمليات الإنقاذ في البحر".

ولم تنف المنظمة الدولية للهجرة عمليات الطرد حينها، لكنها لم تؤكدها، مشيرة إلى إدانة "أي شكل من أشكال الاعتقال التعسفي أو طرد المهاجرين".

جانب من وقفة احتجاجية في تونس العاصمة ضد العنف الممارس بحق المهاجرين الأفارقة
جانب من وقفة احتجاجية في تونس العاصمة ضد العنف الممارس بحق المهاجرين الأفارقة null Tarek Guizani/DW

شهادات مهاجرين تؤكد استمرار العنف في تونس

رصد فريق مهاجرنيوز شهادات  مهاجرين  كانوا ضحايا ممارسات الطرد والإعادة القسرية والعنف المستمر في تونس. منها شهادة خالد* وهو مهاجر سوداني يبلغ 34 عاماً، غادر بلاده هرباً من الحرب. ومرّ على ليبيا وتشاد والنيجر والجزائر حتى وصل إلى تونس.

وأفاد الشاب في شهادة سجلت في كانون الثاني/يناير الماضي، بأنه وآخرين ”محاصرون من جميع الاتجاهات، السلطات التونسية لا تريدنا، والمجتمع عنصري تجاهنا، والمفوضية غير مهتمة بإيجاد حلول لنا". كما أكد ”توقفنا الشرطة دائما، وبما إن معظم المهاجرين فقدوا أوراقهم الثبوتية على  طريق الهجرة، نتعرض للاحتجاز والاعتداءات".

وبيّن عثمان، وهو مهاجر آخر من غامبيا مقيم في تونس، سوء تعامل عناصر الشرطة التونسية أثناء مداهمات متكررة لمخيم أقام فيه بعد طرده من صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية .

وقال الشاب في شهادة سجلت في شباط/فبراير الماضي، إنه هرب إلى الغابات خوفا من الاعتقال، إذ ”بمجرد القبض على أي منا، لن يعرف الآخرون وجهته، سوف يأخذونك للمجهول".

مضيفا ”لا أعرف ما المشكلة، حتى التحدث مع التونسيين يعد مشكلة، يقولون لنا إن الشرطة لا تسمح لهم بالتحدث مع المهاجرين. إنها عنصرية واضحة، لأنه حتى في البلدة التي كنت أعيش فيها في البداية، كانت هناك متاجر معينة عندما تذهب إليها، إذا كنت أسودا، فلا تتم خدمتك".

دعوة إلى وقف التعاون التونسي الأوروبي

واعتبرت الجمعيات التي وقعت على البيان، أن استمرار التعاون التونسي الأوروبي في مجال الهجرة  يدفع تونس إلى مواصلة انتهاك حقوق الإنسان. مضيفة "يجب وقف أي تعاون يمس حياة الناس وكرامتهم".

وشددت على أن التنقل حق يصونه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رافضة أعمال العنف اليومية التي يواجهها المهاجرون في تونس أثناء تنقلهم.

وفي النهاية، دعت الجمعيات السلطات التونسية إلى احترام حقوق الإنسان وضمان أمن المهاجرين مع تيسير حصولهم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

مهاجر نيوز 2024 

 

تقارير: عمليات احتيال على عائلات جزائرية فقدت أبناءها في البحر

تلقت عائلات جزائرية وعودا بإعطاء تفاصيل حول أقارب لها مهاجرين  فُقدوا في عرض البحر، معتقدة أنها من منظمة غير حكومية في إسبانيا، وذلك حسب مقابلات أجرتها صحيفة الغارديان. وقالت العائلات إنها بحثت لسنوات عن أقاربها وكانت بحاجة للمساعدة حتى تصل إلى معلومات عنهم.

وتسلط هذه الشهادات الضوء على الصعوبات التي تواجهها العائلات  التي تفقد أحدا من أفرادها على  طريق الهجرة، والتي قد تكون على شكل عوائق بيروقراطية في الدول الأجنبية و عوائق لغوية، بالإضافة إلى عدم وجود بيانات مركزية مثلا للتعامل مع آلاف المهاجرين الذين يفقدون أو يدفنون في أماكن بعيدة، خاصة وأن أماكن الدفن هذه أحيانا لا تحمل أي علامات مميزة.

هذه الصعوبات، إضافة إلى يأس العائلات في الحصول على أخبار عن أحبائها، يخلق أرضا خصبة للاستغلال.

والمبالغ التي طُلبت من العائلات تراوحت بين 200 إلى 250 يورو للحصول على معلومة بشأن مكان جثة، أو للحصول على صورة جثة في مشرحة الشرطة.

"نريد فقط أن نعرف أين هو"

وتحدث رجل من إحدى هذه العائلات عن شقيقه الذي غادر في 2021، وقال إنه تم إخباره أن القارب الذي أقل أخوه أُرسل إلى مكان سري، لأنه كان فيه "محتويات خطيرة" وأن المال سيسمح بالحصول على معلومات حول السجن أو مركز احتجاز شقيقه. واشتكى الرجل من أن "السلطات ليست مفيدة" وأنه "بعد ثلاث سنوات، لم نتلق أي أخبار. نريد فقط أن نعرف أين هو".

وذكر شخص آخر انطلق أحد أفراد أسرته من الجزائر عام 2020، أنه طُلب دفع المال بعد إخباره أن قريبه المفقود موجود في سجن بجزر الكناري الإسبانية، كما تم تحذيره من عدم الاتصال بالشرطة لأن ذلك قد يعرض الجهود المبذولة  للحصول على معلومات للخطر.

قارب مليئ بالمهاجرين ينقلب وسط البحر
قارب مليئ بالمهاجرين ينقلب وسط البحرnull MINDS Global Spotlight/Italian Navy/picture alliance

وأضافت الصحيفة أن المنظمة غير الحكومية التي ذكرتها العائلات نفت تماما "الأكاذيب" بشأنها، ووصفت ذلك بأنه "حملة تشهير".

موظفون متورطون

والأسبوع الماضي، خضع 20 شخصا على الأقل لتحقيقات من السلطات الإسبانية للاشتباه بتحايلهم على عائلات وأقارب مهاجرين  فُقدوا أثناء محاولتهم العبور إلى إسبانيا. وكانت التهم مرتبطة بتقديم وثائق مزيفة وتسهيل إجراءات نقل جثث المهاجرين  المتوفين إلى بلادهم مقابل أموال، والضحايا كانوا بشكل رئيسي من الجزائر.

وعلى من الرغم من أن طريق الهجرة هذا (من الجزائر إلى إسبانيا) أقل شهرة من طريق وسط المتوسط (من ليبيا وتونس إلى إيطاليا) أو طريق الهجرة إلى جزر الكناري، إلا أنه "أكثر الطرق فتكا بعد طريق جزر الكناري في السنوات الخمس الماضية"، حسب تقرير لمنظمة "كاميناندو فرونتيرا".

ومن بين المتورطين موظفون عاملون في دور الجنازات ومساعدو أطباء شرعيين، وموظفون من الإدارة القضائية التابعة لمعهد الطب الشرعي في قرطاجة.

الخطوات الواجب القيام بها في حال فقدان أحد الأقارب

تشرح هذه الصفحة لمهاجر نيوز الخطوات الواجب فعلها في حال فقدان إحدى العائلات فردا منها على طريق الهجرة. تتمثل هذه الخطوات بثلاثة نقاط رئيسية: أولا، جمع بيانات شخصية ورسمية وجسدية دقيقة حول الشخص المفقود. ثانيا، تقديم شكوى في البلد الأصل. وثالثا، الاتصال بالسلطات الإسبانية المتوفرة في الصفحة وبمنظمات موثوقة.

وتنطلق غالبا قوارب المهاجرين  من الجزء الشرقي من الجزائر، من مدن تيبازة وشرشال وبجاية وجيجل. وتنزل المهاجرين على سواحل الأندلس، وبشكل خاص على شواطئ جزر البليار.

وبين عامي 2018 و2022، تسبب هذا العبور في البحر الأبيض المتوسط ​​بمقتل ما مجموعه 1,583 مهاجر. ووفق بيانات منظمة الهجرة الدولية، هناك حوالي 23 ألف مهاجر مسجلون كمفقودين وسط البحر المتوسط، وتقول المنظمة إن خلف "كل مهاجر مفقود عائلة تنتظر معلومات بشأنه وأن آثار موته أو فقدانه على العائلة في وطنها عميقة ومعقدة".

مهاجر نيوز 2024

الشباب القصر وهجرة المغاربة إلى إسبانيا

نشرت الصحافة الإسبانية في الأسابيع الأخيرة مقاطع فيديو لشباب مغاربة تتقاذفهم الأمواج والتيارات قبالة جيب سبتة الإسباني. ويظهر هؤلاء منهكين من شدة التعب، فمنهم من رمى بنفسه على صخور الشاطئ عند الوصول ومنهم من يبدو راكعا على ركبتيه محاولا التقاط أنفاسه.

ومن بين الـ60 مهاجرا الذين وصلوا في نهاية شباط/فبراير إلى هذه الشواطئ، لم تتجاوز أعمار نحو 20 منهمـ الـ18 عاما.

ومنذ بداية العام، وصل ما مجموعه 144 مهاجرا إلى سبتة  عن طريق البحر، وتستضيف الدولة حاليا حوالي 230 مهاجرا في مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين في "لا إسبيرانزا".

المهدي عليوة، عالم اجتماع وأستاذ بجامعة الرباط الدولية، يرد على أسئلة مهاجر نيوز بشأن هؤلاء القاصرين أو الأطفال أحيانا، لا سيما بخصوص دوافعهم وراء اتخاذ هذه الطرقات المحفوفة بالمخاطر لترك المغرب، وحدهم في أغلب الأحيان، والوصول بالآلاف كل عام إلى سبتة أو جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية.

في الأسابيع الأخيرة، وصل عشرات الشباب المغاربة إلى شاطئ بنزو في سبتة. بإمكاننا القول إن أعداد الواصلين ازدادت في الأشهر الأخيرة؟

كانت هناك ذروة طفيفة في عدد الوافدين في شباط/فبراير، لكن  محاولات العبور  إلى هذا المكان لم تنخفض أبدا. في هذه المنطقة من المغرب، دائما ما كان هناك قاصرون يتدربون على السباحة في البحر حتى يتمكنوا من المغادرة يوما ما. وفي الناظور، جنوب سبتة، كل يوم يركض الأطفال خلف الشاحنات المتجهة إلى إسبانيا في عبارات، وهذا يحدث منذ 20 عاما.

وكان هذا الجيب دائما مسرحاً لعمليات العبور بين المغرب وإسبانيا، إلا أن عسكرة الحدود جعلت الأمور أكثر تعقيدا، ما اضطر الشباب المغاربة إلى إيجاد حلول أخرى أكثر خطورة للتمكن من العبور.

بالإضافة إلى ذلك، يتأثر الشباب اليوم بشكل كبير بشبكات التواصل الاجتماعية، فعندما يرى أحدهم صديقا أو ابن عم ينشر صورة له في إسبانيا وهو يبتسم، يقول لنفسه إن هذا ممكن.

في أوائل شباط/فبراير، غرق بيكر ذو الـ17 عاما، أثناء محاولته الوصول إلى الجيب الإسباني، ولا يزال مراهق آخر يدعى حازم مفقودا منذ بداية كانون الأول/ديسمبر. هل تقوض هذه المآسي المتكررة عزيمة الراغبين بالهجرة؟

 جاذبية إسبانيا  لا تزال أقوى، حيث يرى الشباب من الساحل المغربي أضواء مدينة سبتة ليلا، ويبدو الجيب قريبا جدا منهم ويمكن الوصول إليه. وقد يكون الضغط العائلي عاملا مهما أيضا، فقد ترغب عائلات بإرسال أطفالها إلى إسبانيا نظرا إلى أن الجالية المغربية المقيمة هناك قوية. (مع ما يقرب من 800 ألف مواطن يقيمون بشكل قانوني، يمثل المغاربة أكبر جالية أجنبية في إسبانيا، متفوقين بذلك على الرومانيين والبريطانيين). كما يرغب بعض الشباب أحيانا في الانضمام إلى أحد أفراد الأسرة الذي انتقل بشكل قانوني إلى سبتة.

ولكن من بين هؤلاء القاصرين، هناك أيضا العديد من الأطفال المشردين. والجدير بالذكر أيضا أن هؤلاء الشباب الذين يصلون إلى سبتة أو يركبون القوارب في شمال المغرب ليسوا بالضرورة من المناطق القريبة، فقد يأتون من جميع أنحاء البلاد لمحاولة العبور.

هل يكون هؤلاء الأطفال برفقة أحد أفراد الأسرة أو أحد المعارف؟

لا، هم بمفردهم تماما، ويشكلون مجموعات صغيرة أثناء العبور أو الوصول إلى أوروبا. ويطلق عليهم في المغرب اسم "أولاد الحرام" أي "أبناء الخطيئة"، فقد ولدوا خارج إطار الزواج، وبالتالي يعتبرون غير شرعيين. أمهات هؤلاء الأطفال، يتعهدن بهم وهم رضع إلى أحد الأقارب، عم أو عمة، في محاولة للتخلص من العار. ومع مرور السنين، يُترك هؤلاء الأطفال وحدهم ويُهملون أكثر، وينتهي بهم الأمر في الشارع، فعندما يسمع أحدهم عن العبور إلى أوروبا حيث بالإمكان كسب المال يصبح هدفه الوحيد العبور إليها.

في عام 2023، اعترضت السلطات المغربية 87 ألف مهاجر، ما رأيكم بتكثيف المراقبة على السواحل المغربية سواء على البحر الأبيض المتوسط ​​أو الأطلسي؟

هذه المراقبة التي يمولها  الاتحاد الأوروبي  جزئيا عبر اتفاقيات مع الرباط لا تزال غير فعالة. تريد أوروبا دائما المزيد من خفر السواحل والموارد، ولكن إلى ماذا سيفضي هذا الأمر؟ ومن سيعمل في موسم حصاد الفاكهة والخضروات في الصيف في إسبانيا إذا منع المهاجرون من الوصول؟ هذا منطق غير فعال.

صحيح أن المغرب يلعب أحيانا دورا دبلوماسيا في  قضية المهاجرين ، لكن على أوروبا تحمل مسؤولياتها وتوفير قدر أكبر من حرية الحركة للمغاربة الذين سيحاولون العبور مهما اتُخذت إجراءات لمنعهم.

مهاجر نيوز 2024 

مارلين بانارا

 

أدوار غير مألوفة للجيش في تونس: إنقاذ أم استقواء؟

ينتظر سكان الحي الشعبي بمنطقة "الجبل الأحمر" بفارغ الصبر انتهاء أشغال إعادة تهيئة "المسبح البلدي" التاريخي بوسط العاصمة، الذي طال انتظاره، قبل أن تتعهد المؤسسة العسكرية أخيرا بالمهمة بدلا من المقاولات المدنية، بأوامر من الرئيس قيس سعيد.

وعلى مدى عقود ومنذ تأسيسه في ثلاثينات القرن الماضي، ظلّ المسبح المكشوف والمبني على الطراز الأوروبي في تلك الفترة، متنفسا للناشئة وسكان العاصمة ومن ثم بات مقصدا لأبناء الأحياء الشعبية التي شكلت لاحقا الحزام الفقير للعاصمة، ومن بينهم منطقة "الجبل الأحمر" و"حي الخضراء" و"برجل" وغيرها.

يمثل المسبح أحد الفضاءات الترفيهية الملحقة بحديقة "البلفيدير" بوسط مدينة تونس. لكنه تحول إلى بناية متداعية ومهجورة بسبب طول فترة إغلاقه منذ العام 2004 من قبل السلطات البلدية، وتعثرت محاولات إعادة التهيئة بسبب البيروقراطية ونقص التمويل.

لكن المسبح عاد إلى دائرة الضوء بعد أن لفه النسيان، مع زيارة أولى مفاجئة للرئيس  قيس سعيد  لم تأت بجديد، ثم زيارة ثانية انتهت بتفويض الجيش لتولي مسؤولية إعادة التهيئة بتمويلات قدمها بنك تونسي.

صورة من الخارج للمسبح البلدي في تونس العاصمة (10/3/2024)
المسبح البلدي في تونس العاصمة. على مدى عقود ظلّ المسبح متنفسا للناشئة وسكان العاصمة، لكنه تحول إلى بناية متداعية ومهجورة بسبب طول فترة إغلاقه منذ العام 2004. null Tarek Guizani

مهام أخرى بعد الثورة

وهذه ليست المرة الأولى، بعد ثورة 2011، يتولى فيها الجيش مسؤوليات خارج نطاق مهامه التقليدية، والمتمثلة أساسا في حراسة الحدود والدفاع عن السيادة.

فقد لعب الجيش التونسي أدوارا غير مألوفة بعد ثورة 2011. فعلاوة على تأمين المؤسسات السيادية والمنشآت الحساسة في البلاد في ذروة الانفلات الأمني وتفكك المؤسسة الأمنية إبان الثورة، إذ تولى الجيش حراسة المحاصيل الزراعية والغابات وقام بتأمين الامتحانات الوطنية  في التعليم وتوفير كافة المتطلبات اللوجستية لجميع المحطات الانتخابية لاحقا.

ويشير تقرير نشرته مؤسسة "كارنيغي"، إلى أن الجيش التونسي وبالمقارنة مع باقي الجيوش في المنطقة، ليست له تركيبة تقليدية. فهو غير مبني على أساس ديني أو عرقي أو جهوي أو طائفي، بل يستند إلى معايير أكاديمية.

تمثل تلك المعايير أهمية بالغة في الأدوار التقنية التي اضطلع بها الجيش، حيث كانت بصمته واضحة في مجابهة "أزمة وباء كورونا" التي تفشت بشكل كبير في تونس بين 2020 و2022. ومن خلال تدخله عبر المستفشيات الميدانية في عدة محافظات وإدارة حملات تطعيم مكثفة، تجنبت البلاد نتائج أكثر مأساوية.

الناشطة الحقوقية التونسية سهام بن سدرين في حوار مع ضابط بالجيش التونسي خلال إحدى المظاهرات بعد سقوط نظام بن علي (7/2/2011)
في ذروة الانفلات الأمني وتفكك المؤسسة الأمنية إبان الثورة قام الجيشي التونسي بتأمين المؤسسات السيادية والمنشآت الحساسة في البلاد. null picture-alliance/dpa

تعيين عسكريين في مناصب مدنية

وفي ذروة الجائحة، عيّن الرئيس قيس سعيد عميدا بإدارة الصحة العسكرية هو الدكتور علي المرابط وزيرا للصحة، ما منح الجهود الوطنية دفعة قوية في مكافحة الوباء.

لكن التعيينات في الإدارة لم تقف عند هذا الحد، ففي آب/أغسطس عام 2022 عين الرئيس سعيد الجنرالَ مصطفى الفرجاني، وهو طبيب بالصحة العسكرية، مستشارا في القصر الرئاسي برتبة وزير، على أن يحافظ على خطته كرئيس قسم الانعاش بالمستشفى العسكري. وليس واضحا الصلاحيات التي أسندت إلى الفرجاني.

وفي يناير/كانون الثاني 2023 عهد الرئيس قيس سعيد إلى الجنرال عبد المنعم بالعاتي، المتفقد العام للقوات المسلحة، بتولي منصب وزير للزراعة. يأتي التعيين في أعقاب  أزمة متصاعدة  لتناقص المواد الاستهلاكية الأساسية ومن بينها النقص في إنتاج الخبز، المادة الغذائية الحيوية للتونسيين، بسبب فقدان مادتي السميد والدقيق في الأسواق. وهي من بين آثار حرب روسيا في أوكرانيا التي طالت تونس أيضا.

وعلى المستوى  البنية التحتية، كلف الرئيس سعيد الإدارات المرتبطة بالصحة العسكرية  والهندسة العسكرية والأشغال العسكرية، بمهمة إعداد الدراسات الفنية لمشروع مدينة صحية في مدينة القيروان، وهو مشروع طالما سوّق له الرئيس لتحسين الخدمات الصحية ولكنه لا يزال يفتقد إلى التمويلات اللازمة.

"أزمة ثقة بين الإدارة والمواطن"

وفي تعليقه لـDW عربية، أرجع المحلل السياسي والمؤرخ الجامعي بـ"معهد الحركة الوطنية" خالد عبيد استراتيجية الرئيس إلى "ضعف الإدارة المدنية والاختراقات الحزبية التي طالت المؤسسة طوال سنوات الحكم التي اعقبت ثورة 2011".

ويضيف عبيد في ملاحظته: "تكونت صورة سلبية للإدارة أمام الرأي العام. فإذا أردت إفشال مشروع عليك بمنحه إلى الإدارة.. بسبب ذلك حدث شرخ في الثقة بين الإدارة والمواطن. والرئيس مثل أغلب التونسيين يدرك تعثر الإدارة".

حصل الجيش على النسبة الأعلى من الرضا في استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الثورة  وأشرفت عليها مؤسسة "سيغما كونساي"، تجاوزت عتبة 90 بالمئة لدى الجمهور المستطلع. ووصل الأمر إلى حد مطالبة "حراك 25 يوليو" المؤيد للرئيس سعيد بـ"عسكرة المنشآت والمؤسسات الوطنية الحساسة لضمان استدامة الانتاج". وهناك احتلاف في وجهات نظر المختصين بتونس بشأن مصداقية استطلاعات الرأي التي تنجزها شركات في ظل غياب شفافية وقوانين واضحة تنظم عملها.

"لم يتغير الوضع" ومخاوف من الحديث

لكن رغم الخطوات التي اتخذها الرئيس التونسي عبر الدفع بقيادات عسكرية من أجل إحداث تغيير في المؤسسات العمومية، إلا أن النتائج لم تكن في مستوى التطلعات.

وقال المؤرخ خالد عبيد لـDW: "حتى مع تعيين مدراء ووزراء عسكريين فإن الوضع في الإدارات لم يتغير. لأن الأمر يتعلق أولا بتغيير العقلية وتغيير الظروف.  الإدارة  تحتاج إصلاحات عميقة مثلها مثل أغلب الميادين".

وتابع عبيد في تحليله: "لم يتم تطبيق الإصلاحات لأنها تحتاج إلى جهد كبير. وفي ظل الوضع الحالي يصعب تطبيقها إن لم يكن مستحيلا بسبب الإمكانيات. يظل تعافي الإدارة رهين تحسن الوضع الاقتصادي والمالي للتونسيين".

رغم الاحتكاك المحدود بالسلطة، فإن الطبقة السياسية  تتوجس من توسع أدوار الجيش لا سيما مع ارتفاع شكاوي النخبة المثقفة والمعارضة من تعاظم قيود السلطة على الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسط نقاش عام حول قانون جديد يعتزم الرئيس قيس سعيد إصداره يتضمن المزيد من الرقابة على مصادر تمويل الأحزاب وأنشطتها.

وما يعزز الهواجس وجودُ سوابق لملاحقات قضائية طالت نشطاء وسياسيين امام القضاء العسكري بتهم مثل الحط من "كرامة الجيش".

ومع تحريك دعاوي ضد نشطاء وسياسيين وصحافيين عبر قانون مكافحة الإرهاب ومرسوم 54 للرئيس قيس سعيد، الذي يحدد الجرائم المرتبطة بشبكات التواصل الإجتماعي، لم يتسنَ لـDW الحصول بسهولة على إفادات من خبراء في تقريرنا هذا. واعتذر وزير سابق لـDW عن الخوض في المسألة.

الجيش والسلطة في تونس

يُعد تدخل الجيش في الحياة السياسية بشكل مباشر، أمرا نادرا في تاريخ تونس  الحديث. لكن الحادثة الأشهر في ذلك كانت محاولة الانقلاب على حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، باني دولة الاستقلال عام 1962. وانتهت المحاولة بإعدام معظم من شاركوا في التخطيط لها.

ومع أن الرئيس اللاحق زين العابدين بن علي، الذي صعد إلى السلطة في عام 1987، ينحدر من المؤسسة العسكرية برتبة جنرال قبل أن يصبح مديرا للأمن ثم وزيرا للداخلية ووزيرا أول، فقد كان أكثر حرصا على تحجيم سلطة الجيش وصلاحياته.

وأشهر الأحداث التي رافقت حكمه هي ملاحقته لمئات العسكريين، الذين اتهموا بالتدبير لانقلاب في بداية تسعينيات القرن الماضي، في ما يعرف بقضية "براكة الساحل"، وهي منطقة بجهة الساحل التونسي. وقد زج بالكثير منهم في السجون فيما زادت القيود والرقابة على العسكريين.

كما أثار السقوط الغامض لمروحية عسكرية عام 2002 ووفاة 13 عسكريا كانوا على متنها، من بينهم رئيس أركان جيش البر، الكثير من الجدل والتأويلات  حول ملابسات الحادث، فيما اكتفت السلطة حينها بالاشارة إلى عطب فني بمحرك المروحية.

الرئيس التونسي في زيارة لقبر الحبيب بورقيبة في المنستير (7/4/2022)
تدخل الجيش في الحياة السياسية بشكل مباشر أمر نادر في تاريخ تونس، لكن كانت هناك محاولة للانقلاب على بورقيبة عام 1962، انتهت بإعدام معظم من شاركوا في التخطيط لها.null Yassine Mahjoub/MAXPPP/dpa/picture alliance

وكان دور الجيش في هذه الفترة مقتصرا أكثر على المساعدة في مشاريع التنمية ومجابهة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والحرائق. وساعد ذلك خلو تركيبته من أي معايير أيديلوجية أو عقائدية.

لكن ظهور الرئيس سعيد إبان صعوده إلى الرئاسة في 2019، في زيارات متواترة إلى الثكنات العسكرية والأمنية بعث بإشارات غير مطمئنة إلى  المعارضة  إلى أن جاءت قرارات 25 تموز/ يوليو 2021، التي أطاحت بالنظام السياسي القائم، بعد اجتماع "لمجلس الأمن القومي" الذي ظهر فيه الرئيس سعيد أمام قيادات عسكرية عليا.

وتولى الجيش بعد إعلان القرارات، إغلاق البرلمان وقصر الحكومة ومبان إدارية أخرى حساسة، ومنع النواب والموظفين من دخولها.

وأشار تقرير للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن "حضور كبار قادة الأمن والجيش خلال الاجتماع الطارئ، الذي ترأسه الرئيس قيس سعيد، والمسارعة إلى تنفيذ قراراته، يطرحان تساؤلات عن موقف المؤسسة العسكرية من الانقلاب الرئاسي على الدستور، وعما إذا كان التزامها بتعليمات الرئيس يأتي من باب الانضباط العسكري وتطبيق التعليمات الصادرة عن القيادة، أو من باب أنه تحول في التعامل مع الشأن السياسي بأداء أدوار مباشرة فيه، بعد أن ظلّت بمنأى عن التجاذبات السياسية".

وأضاف المركز في تقريره: "رغم الصمت الذي التزمته المؤسسة العسكرية إثر 25 تموز/ يوليو 2021 والغموض الذي ظل يلف موقفها، فإن إصدار مرسوم رئاسي بإقالة وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، بعد يوم واحد من الانقلاب، ثم عزل المدعي العام العسكري، يؤشر إلى وجود صعوبات واجهت الرئيس سعيد في توظيف المؤسسة العسكرية برمتها في مشروعه الجديد".

نصف سنة على زلزال المغرب... البقاء في الخيمة إلى متى؟

في الثامن من أيلول/سبتمبر 2023 بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً بقليل اهتزت الأرض في المغرب بشكل جعل الناس في جميع أنحاء البلاد يشعرون بالهزة. وأسفر الزلزال عن وفاة نحو 3000 شخص وجرح أكثر من 6000 آخرين.

وفي المناطق المتضررة بالقرب من مركز الهزة وسط جبال الأطلس مازال الدمار ماثلاً حتى اليوم. وليس بإمكان الكثيرين العودة إلى منازلهم لأنها دمرت عن آخرها أو على الأقل تصدعت جدرانها. والبعض منهم غادر المنطقة ونزحوا إلى ذويهم في المدن الكبرى، لكن الغالبية تعيش داخل خيم. ووعدت السلطات الحكومية بتقديم المساعدة إلا أن إعادة البناء تسير ببطء شديد.

"فيلم رعب"

ويصعب تحمل الحياة عقب الزلزال وهذا يتضح بعد دقائق من السير بالسيارة حيث تصطف خيمة بجانب الأخرى والمنازل منهارة. في قرية واداكر التقينا بالشاب محمد حموش. وهو رجل هادئ يلبس قميصاً أسود، ويحكي بصوت خافت عن ليلة الثامن من أيلول/سبتمبر ويقول: "بالتحديد في الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق اهتزت الأرض وكنت وصلت للتو مع زوجتي وطفلي الاثنين إلى البيت. في البداية وقع ضجيج لا يمكن لي أن أصفه، ومن ثم تحول الضجيج إلى اهتزاز وأخذ البيت بالتمايل. كان هول الفاجعة اسوا من فيلم رعب".

أحد مخيمات منكوبي الزلزال في المغرب
أحد مخيمات منكوبي الزلزال في المغربnull Hessischer Rundfunk

تقع قرية واداكر في مركز الزلزال في أعالي الأطلس، بمنطقة أمزميزفي إقليم الحوز. المنظر جميل، والهواء نقي، وورود صفراء تتفتح. لكن حالة الدمار تبدو جلية في القرية بعد مرور نصف سنة على الكارثة. الحجارة الكبيرة الحجم تقطع الطرقات، وفي المواقع التي كانت بها بيوت لم تعد اليوم إلا ركاماً من الحجارة. بعض الأطفال يلعبون كرة القدم وسط الأنقاض. وعندما نسير عبر القرية نصل إلى قطعة أرض تصطف فيها خيم بيضاء. إنه مخيم لمنكوبي الزلزال.

مخيم وبارقة أمل

في المخيم هناك مراحيض وخيمة للعب الأطفال ويحصل المرضى منهم على الأدوية.

واستقرت 48 عائلة بعد الزلزال في هذا المخيم الذي ما يزال يحتضن 32 عائلة بينها عائلة محمد حموش الذي فضل البقاء هنا. ويبدو محمد مرهقاً، وهو يأمل في الحصول على دعم أكبر من الحكومة المغربية، ويقول :" كل عائلة تحصل على 2500 درهم كمساعدة من الحكومة أي حوالي 250 يورو في الشهر. وهناك عائلات حصلت على نحو 2000 يورو لإعادة بناء بيوتها. لكن العملية توقفت. وبيتي من المتوقع أن يتم هدمه، لكن دوري لم يأت بعد ولم أر أي شيء من 20000 درهم".

قرية سيدي حساين دمرها الزلزال بمنطقة أمزميز في إقليم الحوز بالأطلس الكبير
قرية سيدي حساين دمرها الزلزال بمنطقة أمزميز في إقليم الحوز بالأطلس الكبيرnull Hessischer Rundfunk

وقامت الحكومة ببناء بعض المدارس من الحاويات. وأمام مركز توزيع الغذاء والمراحيض المشتركة يقف الناس طويلا في طوابير، حتى بعد مرور ستة أشهر على زلزال القرن.

وكما هو الحال في قرية واداكر فإن الكثير من المواقع من جبال الأطلس تشكو نفس الوضع: فالزلزال أثر على 8000 قرية في المنطقة وإحدى هذه القرى هي تانسغارت التابعة إداريا  لجماعة أسنيالتي بإقليم الحوز، وتبعد بحوالي 50 كيلومترا جنوب مراكش. الدمار في كل مكان في القرية. نلتقي بشابة تضع حجاباً أسود اللون تعتني بعشرات الأطفال الصغار واسمها إكرام.

تصدعت جدران بيت إكرام أحولي، الطيني وتناثر الدمار حوله. ووسط الأنقاض يقف حمار يأكل التبن. بقي هذا الحمار بعد الزلزال أربعة أيام وسط ركام الحجارة إلى حين أن أغاثته العائلة مع البقرة التي أنجبت عجلاً بعد شهرين من وقوع الزلزال ـ بارقة أمل للعائلة.

"مراكش آمنة".. حملة رقمية واسعة لجذب السياح نحو مدينة مراكش

لكن الحياة تبقى صعبة في القرية، كما تؤكد إكرام: "يجب علي الاعتناء بالعديد من الأشخاص هنا وتشجيعهم. عائلتي، ووالدتي، والكبار، والصغار، في القرية. ليس لدي الوقت للحديث عن نفسي، وأمضي قدماً وأحاول بث الروح الإيجابية في نفوس الآخرين حتى نتمكن جميعاً من تجاوز هذه المحنة".

لا تقي من الحر والبرد

ويعيش نحو 300 شخص في قرية تانسغارت، وقضى تسعة منهم بالزلزال. جار عائلة إكرام، محمد مسمار، يخبرنا عن معاناتهم اليومية: "إنه وضع كارثي أكان ذلك في الصيف أم في الشتاء.

أطفال يلعبون كرة القدم بالقرب من مخيم لمنكوبي الزلزال
أطفال يلعبون كرة القدم بالقرب من مخيم لمنكوبي الزلزالnull Hessischer Rundfunk

في الصيف ليس بمقدورك البقاء طوال الوقت داخل الخيمة لأنها ساخنة، وفي الشتاء يعم البرد القارس بحيث لا يكفي الغطاء للتدفئة. وعندما يهطل المطر يتبلل كل ما لديك".

محمد مسمار البالغ من العمر 42 عاما ولديه ثلاثة أطفال يشتغل كعامل أجرة يومي في مراكش القريبة، وأوضح بأن السلطات ليس لها دراية بواقع حياة الناس في المنطقة المنكوبة.

ويقول إن حجم المساعدة الحكومية يبقى ضئيلاً، كما يشير إلى ذلك محمد مسمار بقوله: "المساعدة غير كافية وهي تصل إلى نحو 8000 يورو للعوائل المتضررة و 14000 يورو للبيوت المدمرة بالكامل، هذا غير كاف بالمرة".

عائلة أحولي يتحلقون حول الشاي المغربي داخل خيمة تقع غلى بعد أمتار قليلة من منزلهم المتشقق
عائلة أحولي يتحلقون حول الشاي المغربي داخل خيمة تقع غلى بعد أمتار قليلة من منزلهم المتشققnull Hessischer Rundfunk

يتم دفع المبلغ فقط على أقساط، أي حوالي 2000 يورو للقسط، إذا قمت بتكليف المهندسين المعماريين والمهندسين الإنشائيين. هذه هي المرحلة الأولى.

أما منزل محمد مسمار فهو متشقق في كل جدرانه. لذلك فهو يفضل الحصول على حوالي 8000 يورو دفعة واحدة. ومع وجود حوالي 50 ألف منزل لحقت بها أضرار جسيمة أو دمرت بالكامل، فإنه يخشى أن ينتظر لفترة طويلة قبل بدء أعمال البناء.

وبعد مرور دقائق داخل الخيمة بدأنا نشعر بالحرارة، وبالتالي تذوقنا بعض معاناة العائلات التي تعيش هنا. تجلس إكرام ووالدتها خديجة والابن عزيز والجار محمد مسمار حول طاولة عريضة بيضاء يأكلون البرتقال ويشربون الشاي.

وجهنا لهم السؤال لماذا لا يرحلون من هنا؟ إلى مراكش مثلاً؟ بدا الجمع وكأنه لم يفهم السؤال. وكأن لسان حالهم يقول: "هجرة البيت فكرة مرفوضة تماماً، وليحصل ما يحصل".

روبورتاج جون ماري ماغرو مراسل القناة الألمانية الأولى ARD (مكتب الرباط).

استثناء المغرب.. هل تتجه الجزائر إلى تكتل مع تونس وليبيا؟

يثير اللقاء الثلاثي بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والتونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي لأجل "تكثيف الجهود وتوحيدها قصد مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب"، حسب بيان للرئاسة الجزائرية، الكثير من النقاش حول مستقبل التعاون المغاربي، خصوصاً في ظرفية لا تزال فيها العلاقات المغربية-الجزائرية تعيش مرحلة القطيعة التامة.

جاء هذا اللقاء بين الدول الثلاث التي تشترك في الحدود، خلال سياق القمة السابعة للغاز التي انعقدت في الجزائر، وهي القمة التي حضرها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني فضلاً عن الرئيس التونسي، بينما حضر فيها محمد المنسي ممثلا عن ليبيا وهي احدى الدول العضوة في منتدى البلدان المصدرة للغاز إلى جانب الجزائر.

التوتر المغربي -الجزائري؟

ولا يمكن استبعاد التوتر-المغربي الجزائري من هذه التحركات، فعبد المجيد تبون، الذي رعى هذا اللقاء الثلاثي، كان قد صرّح أن "القطيعة مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة"، وبالتالي هناك من قد يشير إلى أن الجزائر ترغب في خلق كيان بديل عن اتحاد المغرب العربي الذي يعيش حالة جمود، لكنه كيان دون المغرب، رغم الدور المركزي الذي يلعبه هذا الأخير في المنطقة.

لكن جلال حرشاوي، باحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، يرى أنه لا يجب تحميل المحادثات الكثير بحكم أنها لا تزال في بداياتها، ويقول لـDW عربية: "هذه الدول الثلاث تريد ببساطة أن تُظهر أن بإمكانها التحدث بشكل منتظم. وهذا لا يعني أنها صيغة ثابتة أو استبعاد طرف آخر".

غير أنه يشير إلى أن "العقبة الرئيسية أمام تحقيق وحدة حقيقية في المغرب العربي هي التنافس بين المغرب والجزائر"، مؤكدا أن "الخلاف العميق بينهما يمثل تحديًا كبيرًا من غير المرجح أن يتم حله قريبًا"، لكنه ليس الإشكال الوحيد وفق المتحدث فـ"ليبيا منقسمة داخليًا أيضًا، ويستفيد قادتها الحاليون من الانقسام المحيط بالمغرب العربي، لأنه يوفر لهم المزيد من الفرص لتحقيق مصالحهم الخاصة" وفق قوله.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع الرئيس الموريتاني  محمد ولد الشيخ الغزواني خلال حفل استقبال هذا الأخير للمشاركة في قمة الغاز (01/03/2024)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني خلال حفل استقبال هذا الأخير للمشاركة في قمة الغاز null Algerian Presidency Office/ZUMAPRESS.com/picture alliance

وقد تثار أسئلة حول غياب موريتانيا من اللقاء، وهل يتعلق الأمر فقط بسبب جغرافي بحكم أنها لا تشارك حدوداً مع تونس وليبيا، أو سياسي للعلاقة الموريتانية المعقدة مع المغرب، لكن موريتانيا قد تكون مرشحة للانضمام بدورها إلى هذه اللقاءات بحكم أن عبد المجيد تبون ومحمد ولد الشيخ الغزواني، أشرفا مؤخرًا على إعطاء إشارة انطلاق مشروع طريق بري يربط بين الجزائر وموريتانيا، ما يشير إلى تقارب جزائري-موريتاني.

أقطاب بدل الاتحاد؟

أعلنت دول المنطقة عام 1989 عن اتحاد يجمعها، في ظرفية اتسمت بتحسن العلاقات المغربية-الجزائرية، لكن اتحاد المغرب العربي بقي حبراً على وقع، وساء وضعه بعد توتر علاقات البلدين مجددا بدءاً من عام 1994.

من جانب آخر، شهدت المنطقة في العقود الأخيرة عدة تحالفات بين دولتين أو أكثر، كمعاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983، ومعاهدة الوحدة المغربية-الليبية في السنة التي تلتها، لكن هذه التحالفات كانت لها نتائج متباينة، وكانت تحركها في الغالب محاولات خلق أقطاب في منطقة لم تهدأ فيها الخلافات خلال العقود الأخيرة.

فهل تكون المبادرة جديدة محاولة لخلق بديل لاتحاد المغرب العربي؟ يرى حرشاوي أن "الدول الثلاث (الجزائر وتونس وليبيا) تحاول إنشاء منتدى، على أمل جذب المزيد من الأعضاء فيما بعد، ولا يمكن استبعاد موريتانيا ولا حتى مصر (بحكم انتمائها لشمال إفريقيا، ومشاركتها حدودا شاسعة مع ليبيا)"، لكن هذه المحاولات "من غير المحتمل أن تسفر عن نتائج مهمة".

رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي يستقبل وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة (22/01/2023)
رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي يستقبل وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرةnull Libyan Prime Ministry Press Office/Anadolu Agency/picture alliance

من جانبه، يؤكد طارق الكحلاوي، أننا "موضوعيًا إزاء حلف إقليمي ينبع من تلاقي مصالح وتصور كل طرف للمنطقة كل من زاويته"، ويؤكد المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، لـDW عربية، أن هذا "يعني عمليا وجود توجه بعزل المغرب، ويجعل كل من تونس وليبيا أقرب للجزائر في المحصلة".

لكن السبب حسب الكحلاوي أن هذا التوجه "لم يكن ليحدث لولا القرار المغربي بالتطبيع بشكل منفرد، ما سمح بنفاذ إسرائيلي غير مسبوق في المنطقة المغاربية، وجعل الخصومة تجاه المغرب لا تختص فقط بالجزائر، بل أيضا تشمل بقية الدول غير المعنية بالتطبيع".

في الناحية المقابلة، كانت الرباط قد أعادت العلاقات مع إسرائيل في صفقة ثلاثية شملت كذلك الاعتراف الأمريكي في عهد دونالد ترامب، بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، وهي الخطوة التي لم تتخذها أيّ دولة مغاربية، بل إن الجزائر، تعدّ أكبر داعم لجبهة البوليساريو التي أعلنت إنهاء الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991 مع المغرب.

ويحظى المغرب بعلاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي الذي منحه "الوضع المتقدم"، ما ساهم في نمو كبير في المبادلات التجارية، كما تقوّت العلاقة المغربية مع دول الخليج وبات جلها يدعمه في ملف الصحراء، فضلًا عن توجه المغرب خلال السنوات الأخيرة لتقوية علاقاته مع دول إفريقيا جنوب الصحراء.

ماذا عن ليبيا وتونس؟

ولا تعيش ليبيا، إحدى أطراف هذا "التحالف الجديد"، في وضعية تتيح لها استصدار موقف وطني موحد في السياسة الخارجية، مع استمرار الأزمة السياسية والمطالبات بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة. ويوضح حرشاوي "أنه بالنظر إلى الوضع المنقسم في ليبيا، فإن المحادثات مع الرئيس محمد المنفي محدودة الفعالية، لأنه يفتقر إلى سلطة تمثيل الحكومتين في طرابلس أو بنغازي".

وحافظت ليبيا على علاقات جيدة مع المغرب، خصوصًا أنه احتضن محادثات مدينة الصخيرات بين تيارات ليبية بوساطة أممية أدت إلى اتفاق عام 2015 بإقرار حكومة الوفاق في طرابلس، ثم محادثات منتجع بوزنيقة عام 2020، ما قد يجعل الأطراف الليبية، خصوصا منها المحسوبة على طرابلس، غير راغبة في فقدان داعم سياسي لها، ممثلاً في الحكومة المغربية، عبر الدخول في تحالف غير مرحب بالرباط.

لكن الوضع بالنسبة لتونس مختلف، إذ لا تزال العلاقة باردة بينها وبين المغرب، منذ استقبال قيس سعيد لإبراهيم غالي بصفته رئيس "الجمهورية الصحراوية" (غير معترف بها أمميًا). ورغم بعض الإشارات الإيجابية، إلا أنه لم تتم إعادة السفيرين بين البلدين، وسط تقارب قوي بين قيس سعيد وعبد المجيد تبون.

ويشير الكحلاوي إلى أن تونس لديها مصالح من قيام "حلف ثلاثي مشابه"، بل يمكن أن يتحول إلى حلف رباعي بانضمام إيطاليا التي طوّرت العلاقة مع جيرانها الجنوبيين، وفق تأكيده.

أسباب الحاجة التونسية لهذا التكتل متعددة حسب الخبير ذاته، منها "حدود طويلة مشتركة مع الجزائر وليبيا، تمثل تحديات اقتصادية وأمنية كبيرة وتحتاج تعاونا مشتركا لضبطها"، وكذلك فيما يتعلق بموضوع الطاقة، إذ يوضح أن "تونس تعوّل على الغاز الجزائري، مع ما يخلقه ذلك من تبعية طاقية خصوصاً تراجع استكشاف وتنقيب الآبار والحقول التونسية، فضلاً عن الحاجة للموارد النفطية الليبية".

ليبيا.. بوابة فاغنر لتعزيز نفوذ الدب الروسي في أفريقيا

باتت ليبيا عرضة للنفوذ الأجنبي مع استمرار القتال والتناحر السياسي وغياب الديمقراطية والجمود الذي يعتري البلاد منذ انتفاضة عام 2011، وهو الأمر الذي فتح المجال أمام مجموعة فاغنرالروسية لتجد موطئ قدم هناك منذ عام 2018. في هذا السياق، جاء في تقرير صدر مؤخرا عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن روسيا تسعى بشكل متزايد إلى تحقيق هدفها الطموح في إنشاء ما يُسمى "الوفاق الاستعماري الروسي" الذي يبنغي أن تنضوي تحت لوائه الدول التي تسعى إلى مساعدة موسكو في الشرق الأوسط وأفريقيا.

ويبدو أن روسيا تضع نصب أعينها  ليبيا في ضوء الأزمات السياسية والعسكرية التي تعصف بالبلاد منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي من الحكم. ومنذ 2014، جرى تقسيم ليبيا إلى إدارتين إذ يخضع غرب البلاد لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة المعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد محمد الدبيبة في حين تمارس حكومة أخرى نشاطها في شرق البلاد برئاسة أسامة حمد وهي مدعومة من مجلس النواب في طبرق. وتحظى الحكومتان بدعم من ميليشيات محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية.

تتمتع ليبيا بموقع استراتيجي هام على البحر المتوسط فضلا عن امتلاكها احتياطيات نفطية من بين الأكبر في القارة السمراء واحتياطيات وفيرة من الذهب. وعسكريا، ينشط مئات من المرتزقة التابعين لمجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية في ليبيا منذ عام 2018.

رئيس فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين يقف في مكان غير معروف، 12 أغسطس/ آب 2023
رئيس فاغنر السابق يفغيني بريغوجين قاد تمردا فاشلا ضد الكرملين، ليموت بعدها في حادث تحطم طائرةnull PMC Wagner/Telegram/REUTERS

وفي مقابلة مع DW، قال تيم إيتون الزميل الباحث في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، إن أهداف فاغنر في ليبيا "تتمثل بشكل أساسي في الحصول على عائدات النفط بشكل غير مباشر من خلال دعم القوات المسلحة العربية الليبية التابعة لحفتر، غير أنها وسعت أهدافها لتشمل ضمان قدرتها على الوصول إلى مناطق أخرى في القارة الأفريقية". وأضاف "يمكن القول إن ليبيا (بالنسبة لفاغنر) ليس سوى مقدمة الجسر (الروسي صوب أفريقيا)".

"الأمن مقابل الموارد"

تأسست   مجموعة فاغنر  في عام 2014 وظلت لسنوات تحت قيادة المليونير الروسي يفغيني بريغوجين. وكان الأخير يتمتع بعلاقات قوية مع الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين  قبل قيامه بحملة تمرد ضد الكرملين أواسط العام الماضي ليلقى حتفه بعد شهرين من تلك المحاولة في حادث تحطم مروحية. ومنذ ذلك، جرى إسناد مجموعة فاغنر إلى المخابرات العسكرية الروسية فيما تولى قيادتها الجنرال أندريه أفريانوف، رئيس "الوحدة 29155" التي يشتبه في تورطها بتنفيذ سلسلة اغتيالات ومحاولات زعزعة استقرار دول أوروبية.

وفي  ليبيا، جرى تشكيل قوة عسكرية رسمية باسم "الفيلق الأفريقي"، لتحل مكان مرتزقة فاغنر. وفي مقابلة مع DW، قالت هاجر علي، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، إنه من خلال "استبدال بريغوجين بشخص أقرب إلى النظام، فقد أصبح نشاط مجموعة فاغنر مرتبطا بشكل أكثر وضوحا مع موسكو".

وأضافت أن الكرملين كان يمتلك في الماضي المبرر لإنكار أي ارتباط بأنشطة فاعنر، غير أن تولي أفيريانوف قيادة المجموعة يجعل ذلك صعبا، لأنها باتت الآن في الحقيقة امتدادا مباشرا لمصالح روسيا في أفريقيا والشرق الأوسط".

الجنرال أندريه أفريانوف الرئيس الجديد لمجموعة فاغنز (يسار الصورة)، سان بطرسبورغ في 29 يوليو/ تموز 2023
رئيس مجموعة فاغنر الجديد الجنرال أندريه أفريانوف تولى في السابق "الوحدة 29155" التي يشتبه في تورطها في تنفيذ سلسلة من الاغتيالات في دول أوروبية.null Sergei Bobylev/Tass/IMAGO

لكن رسلان سليمانوف، الخبير الروسي المستقل في  شؤون الشرق الأوسط  والمقيم في باكو، يرى أن قيادة فاغنر الجديدة لا تحظى بمباركة كافة عناصرها، مضيفا "حتى اليوم، هناك مفاوضات صعبة مع بعض مقاتلي فاغنر السابقين لدفعهم إلى توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية".

وأفاد تقرير المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن حفتر كان من أوائل الأشخاص الذين التقى بهم أفيريانوف عقب توليه منصبه الجديد في سبتمبر / أيلول الماضي حيث أكد كلاهما على التزامهما بتنفيذ اتفاق ما يُعرف بـ "الأمن مقابل الوصول إلى الموارد".

ويواصل مقاتلو فاغنر دعم حفتر فيما يُسمح لهم باستخدام البلاد لنقل السلاح وتهريب المخدرات فضلا عن إدارة ثلاث قواعد جوية والسماح لهم باستخدامها لنقل كميات الذهب المستخرجة من المناطق الليبية الخاضعة لسيطرة فاغنر إلى  روسياالتي تخضع لعقوبات غربية شديدة القسوة بسبب غزوها العسكري لأوكرانيا في فبراير / شباط عام 2022.

وذكر تحليل أجرته الباحثة هاجر  أن "فاغنر تنقل صواريخ "أرض جو" وذخائر ووقود وشحنات أخرى من ليبيا إلى قوات الدعم السريع السودانية التي تخوض قتالا ضد الجيش السوداني". يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد فرض أواخر عام 2021 عقوبات على  مجموعة فاغنر  بسبب مسؤوليتها "عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق بما في ذلك أعمال تعذيب وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء".

رجل يرتدي قميصا يحمل شعار مجموعة فاغنر يقف بجوار قبر رئيس المجموعة الراحل بريغوجين، سان بطرسبورغ 30 أغسطس/ آب 2023
قال الخبير في الشأن الروسي رسلان سليمانوف إن قيادة فاغنر الجديدة لا تحظى بمباركة كافة عناصرهاnull REUTERS

فاغنر عقبة أمام ديمقراطية ليبيا

وتعاني ليبيا من جمود سياسي بسبب فشل الأطراف المتناحرة في تحقيق انفراج يمهد الطريق أمام إجراء انتخابات جرى التوافق على تنظيمها في بادئ الأمر أواخر عام 2021. بدوره، حذر المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي من أن تلكؤ الأطراف الليبية في إيجاد حل سياسي، سوف يعرض البلاد لمخاطر عديدة فضلا عن تداعيات ذلك على الأمن الإقليمي.

وطالب باتيلي كافة الأطراف "بتنحية مصالحهم الذاتية جانبا والجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية والاستعداد لمناقشة كافة القضايا المتنازع عليها". لكن يبدو أن الباحثة في شؤون المنطقة هاجر علي لا يحدوها أي أمل في عودة ليبيا إلى مسار الانتخابات والديمقراطية في ظل استمرار تمركز مسلحي فاغنر على أراضيها، مضيفة أن "المرتزقة الروس يمكنهم عرقلة أي جهود ترمي إلى إجراء انتخابات أو وضع دستور دائم في ليبيا طالما أن هذا قد يمثل تهديدا لمصالحهم ونفوذهم في البلاد".

وأشارت إلى أن مجموعة فاغنر "تدير حملات تضليل عبر الإنترنت ما يفسح المجال أمام تدخلها في العملية الانتخابية بما يشمل ترهيب الناخبين من خلال العنف أو حتى المساعدة في تزوير الانتخابات". وأضافت: "لا تزال الأحزاب السياسية في ليبيا في حاجة إلى إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالناخبين واتخاذ قرارات بشأن العملية الإنتخابية، لذا فإن المعلومات المضللة تضر بشكل كبير بنزاهة أي عملية انتخابية".

أعده للعربية: محمد فرحان

تونس: ملاعب خارج نطاق الخدمة ونتائج مخيبة بالمسابقات الدولية

إذا أغلق "استاد رادس" بالعاصمة أبوابه؛ فسيكون أمام أندية تونس، المشاركة في المسابقات الإفريقية وأيضا منتخب تونس، احتمال البحث عن ملعب في بلد مجاور.

واستاد رادس هو الملعب الوحيد المطابق لمعايير الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في تونس حتى عام 2023، وهذه المطابقة ليست نهائية لأن الملعب لا يزال بحاجة إلى المزيد من أعمال الصيانة للمدرجات.

وفي ظل تعثر الإصلاحات في أغلب الملاعب بالمدن الكبرى، بما في ذلك الملعب التاريخي بالعاصمة "ستاد المنزه"، فإن ملعب رادس وصل إلى حالة استنزاف قصوى لأنه يستضيف مباريات قطبي العاصمة الترجي والإفريقي في المسابقات المحلية والإفريقية والمنتخب وفريق النجم الساحلي الذي يضطر للتنقل من مدينة سوسة.

ويعكس الوضع الحالي مستوى غير مسبوق للبنية التحتية لقطاع الرياضة في تونس التي استضافت ثلاثة دورات لكأس أمم إفريقيا (1965 و1994 و2004) ودورتي ألعاب البحر المتوسط (1967 و2001) وأول نسخة من كأس العالم لكرة القدم تحت 20 سنة (1977)، علاوة على عدة دورات في باقي التخصصات الرياضية.

وقال المحلل الرياضي طارق الغديري رئيس تحرير موقع "زاجل" وممثل تونس في استفتاءات الجوائز السنوية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، إن الوضع الحالي لقطاع الرياضة  يعد امتدادا موضوعيا للأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد.

ويوضح الغديري في حديثه مع DW عربية "لا يمكن التغاضي عن أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس منذ سنوات أثرت كثيرا على القطاع الرياضي وخاصة في البنية التحتية، ذلك أن ضعف الموازنة المخصصة للرياضة في العمل الحكومي وفي البلديات جعل المنشآت الموجودة تتآكل بسبب غياب الصيانة، فضلا عن استحالة تحمل تكلفة إنشاء ملاعب أو صالات جديدة".

ملعب الشاذلي زويتن مغلق منذ 2006
ملعب الشاذلي زويتن مغلق منذ 2006null Tarek Guizani/DW

ويقترح المحلل الرياضي مكرم الحزقي لـ DWعربية "أن تكون الدولة شريكا فعليا في المشهد الرياضي بصفة عامة، بضخ تمويلات أكبر إلى وزارة الشباب والرياضة لأن التمويل الحالي ضعيف ولا يتعدى 18ر1 بالمئة من الموازنة العامة".

بنية أدنى من المعايير

على أرض الواقع، تعكس حالة ملعب المنزه التاريخي، الذي بني عام 1967، وضعا معقدا لما وصلت إليه المنشآت الرياضية وباقي المنشآت والمشاريع العمومية التي هي في طور الإنجاز.

أغلق الملعب منذ أكثر من عقد بسبب اهتراء أعمدته وأجريت دراسات فنية متتالية لإخضاعه إلى تهيئة شاملة وفق شكله الهندسي الأصلي. غير أن الاجراءات البيروقراطية وتعثر الأشغال لاحقا مع اكتشاف هنات في الدراسات الفنية، عوامل وضعت المشروع في المفترق. وتقول الحكومة إنها قد تضطر في نهاية المطاف للبحث عن شركة صينية لإنهاء أشغال تهيئة الملعب.

وليس بعيدا عن استاد المنزه، يوجد "الشاذلي زويتن"، أقدم ملاعب العاصمة، الذي شيد في زمن الاستعمار الفرنسي وسط حي "ميتيال فيل" الراقي، لكنه يعيش حاليا في عزلة كاملة. والملعب مغلق منذ فترة تفوق 10 سنوات لأسباب غير معلومة؛ لكنها على صلة بالوضع الأمني وضغوط متساكني المنطقة.

وأُفرِِج عن الملعب في 2024 بعد زيارة مفاجئة من  الرئيس قيس سعيد  ولكن فتحت المدرجات أمام عدد لا يتعدى 2500 متفرج، بينما طاقة استيعاب الملعب تُقدر بـ 20 ألف متفرج. وتحول "الملعب اللغز" إلى حديث مواقع التواصل الاجتماعي في تونس.

وشملت أزمة الملاعب  والمقاولات أيضا استاد مدينة سوسة، الذي أغلق أبوابه لنحو ثلاثة مواسم من أجل أعمال توسعة؛ لكن مع إعادة فتح أبوابه في 2023 اكتشف وجود مواضع خلل في المدارج. ويحتاج الملعب إلى إعادة تهيئة جديدة حتى يتم اعتماده من قبل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ويعني ذلك انتظار تمويلات جديدة من السلطة المركزية.

ويضطر النجم الساحلي، الفريق العريق والممثل الأول للمدينة، إلى التنقل للعاصمة لخوض مبارياته الدولية في المسابقة الأفريقية على استاد رادس. وتقول جماهير الفريق الساخطة إن هذا التنقل أضعف كثيرا من حظوظ الفريق على المنافسة.

طارق الغديري رئيس تحرير موقع "زاجل" وممثل تونس في استفتاءات الجوائز السنوية للاتحاد الدولي لكرة القدم
طارق الغديري رئيس تحرير موقع "زاجل" وممثل تونس في استفتاءات الجوائز السنوية للاتحاد الدولي لكرة القدمnull privat

ولا يختلف الحال مع مدينة صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية بقرابة 5ر1 مليون ساكن، حيث تنتظر المدينة منذ عقود تشييد ملعب كبير لتعويض الملعب الحالي "الطيب المهيري" لتواضع سعته المقدرة بحوالي 10 آلاف متفرج.

واضطر النادي الصفاقسي في وقت ما إلى التنقل للعاصمة لخوض منافسات مسابقة كأس الكونفدرالية الإفريقية لعدم مطابقة ملعبه للمعايير المطلوبة من الاتحاد الإفريقي. لكنه ودع المسابقة من أدوارها الأولى في 2022.

نتائج مخيبة

ويقول المحلل مكرم الحزقي لـDW عربية إن وضع البنية التحتية ضاعف من الأزمة المالية للنوادي بتراجع عائداتها المالية وقلص هذا من حظوظها في المنافسة على الألقاب في المسابقات الإفريقية بسبب تدني جودة اللاعبين والمنتدبين من الخارج وتخبط الإدارة وسياسات التكوين الخاطئة للناشئة. وفي تقديره، كان لهذا انعكاس على أداء ونتائج المنتخب التونسي في السنوات الأخيرة.

وفي جردٍ قدمه الحزقي حول ما حققته كرة القدم خلال السنوات الأخيرة، فإن منتخب تونس فشل للمرة السادسة في تخطي الدور الأول لكأس العالم عبر آخر مشاركة له في مونديال قطر 2022 ثم كانت الصدمة الكبرى بمغادرته الدور الأول لكأس أمم إفريقيا بكوت ديفوار بتذيله لترتيب مجموعته.

وتأخر منتخب تونس  إلى المركز 41 في أحدث تصنيف صدر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في شباط/فبراير، وهو الأسوء منذ عام 2017. كما سيغيب منتخب تونس لكرة القدم للمرة الخامسة عن الألعاب الأولمبية في دورة 2024 بباريس. أما الأندية فقد فشلت في المنافسة على ألقاب إفريقيا منذ آخر تتويج لفريق الترجي في دوري الأبطال عام 2019.

وفي حين يشدد طارق الغديري على حاجة كرة القدم التونسية لمشروع رياضي حقيقي للعودة إلى المنافسة على الصعيد القاري والدولي من خلال تنقيح القوانين، فإن العلاقة بين اتحاد الكرة والسلطة باتت أكبر عائق للتوافق حول إصلاحات واضحة.

وتحولت العلاقة إلى ما يشبه لي ذراع كادت تكلف تونس الغياب عن مونديال قطر 2022 بسبب التوتر بين وزير الرياضة كمال دقيش ورئيس اتحاد الكرة وديع الجريء، حول صلاحيات الوزارة وقوانين الدولة في مقابل استقلالية الاتحاد التي تضمنها قوانين الفيفا.

ويعلق الغديري على هذا الوضع لـDW عربية بالقول: "أنتجت القوانين الداخلية للاتحادات الرياضية، ومن بينها اتحاد كرة القدم، والتي فصلت على مقاس الرئيس، مجموعة جزر دكتاتورية صغرى ومنغلقة على ذاتها رافضة للتطور ومكرسة لمصالح الأشخاص على حساب المصلحة العامة".

ويقبع الجريء في السجن منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للتحقيق في شبهات فساد. ويقول محاموه وأعضاء مكتب الاتحاد إن الاتهامات الموجهة إليه غير قانونية.

أزمة عميقة للإدارة

ولكن تبدو الأزمة  أوسع نطاقا ولا تقتصر على كرة القدم. فمع أن البلاد حققت انجازات رياضية غير مسبوقة عربيا في السباحة بإحرازها لميداليات ذهبية في مسابقات عالمية وأولمبية عبر السباح الأسطوري أسامة الملولي والسباح الصاعد أحمد أيوب الحفناوي، فإتها تفتقر إلى مسابح أولمبية عدا مسبح وحيد في مركب رادس.

 المحلل الرياضي مكرم الحزقي
المحلل الرياضي مكرم الحزقيnull privat

ويلخص الخراب والإهمال المحيط بمسبح مركب المنزه والمسبح البلدي التاريخي بقلب العاصمة، الحالة المتدهورة للمسابح وحتى صالات وباقي المنشآت الرياضية في الولايات الداخلية الأكثر فقرا.

ويقول معز الحرزي مدير جمعية "تونس تنتج"، وهو أيضا أحد المؤثرين المعروفين على السوشيال ميديا بتسويق الصناعات المبتكرة للكفاءات التونسية، إن الأزمة لا تتعلق بالكفاءات والقدرة على الإنجاز بقدر ما ترتبط بأزمة عميقة في الإدارة التونسية.

ويوضح الحرزي في حديثه مع DW عربية: "ترجع الأسباب الرئيسية لتعطل تنفيذ المشاريع في  تونس  إلى مشاكل قانونية وإدارية، وتراجع قدرة الإدارة التونسية في السنوات الأخيرة على إدارة المشاريع الكبرى".

ويستدل الحريزي في حديثه بالتعطيلات التي طالت أيضا مشاريع كبرى أشرفت عليها شركات أجنبية مثل مشروع الشبكة الحديدية السريعة بالعاصمة وأحوازها، ومشروع تحلية المياه في قابس جنوب البلاد.

ويضيف الحرزي، أن هذا التحليل يظهر أن الأسباب العميقة  ليست مرتبطة بجنسية الشركات المنفذة، ذلك أن المشاريع التي قامت بتنفيذها الشركات التونسية في دول إفريقيا والشرق الأوسط أو التي أنجزتها لفائدة القطاع الخاص في تونس قد حققت نجاحاً من حيث الجودة وسرعة التنفيذ، وبالتالي فإن ما تحتاجه البلاد هو إصلاحات تشمل القوانين ووسائل العمل الإداري، وفق تقديره.

واعترفت وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بوجود عوائق ترتبط بقانون الصفقات العمومية الذي ألقى بظلاله على أعمال التشييد والبناء للمشاريع الحكومية واحترام آجال التنفيذ، مشيرة إلى إصلاحات جارية للقانون. لكنها في نفس الوقت لفتت إلى الصعوبات التي تمر بها المقاولات منذ سنوات جائحة الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وكذلك غلاء الأسعار.

وفي مسعى للقفز على البيروقراطية ونقص التمويل الموجه إلى البلديات من أجل أعمال الصيانة، فإن الحكومة تسعى إلى تخصيص مؤسسة مستقلة مكلفة بصيانة المنشآت الرياضية، وفق ما أعلن عنه وزير الرياضة كمال دقيش.

ويعتقد طارق الغديري أن الخطوة العاجلة والأهم تتمثل في الإسراع بتغيير القانون المنظم للهياكل الرياضية والذي يعود إلى عام 1994. ويضيف في ملاحظته لـDW عربية: "هذا القانون غير مواكب تماما للتطورات الحاصلة ليس في عالم الرياضة فحسب بل كذلك في المجتمع التونسي، وهو قانون تم تشريعه في ظل نظام دكتاتوري شمولي يكبل إرادة النوادي الرياضية ويجعلها مجرد لجان لتنفيذ إرادة الحزب الحاكم في مجال الشباب والرياضة".

وتستعد الحكومة بالفعل لإاصدار قانون جديد في هذا المجال. ويقول مسؤولون في السلطة إنه سيغير من الوضع الحالي للرياضة التونسية.

وزيرة الطاقة المغربية لـDW: الأوروبيون سيموّلون مشاريع ضخمة للطاقة بالمغرب

أكدت ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب، أن "شركاء المملكة" في أوروبا، ومن ضمنهم ألمانيا، "مهتمون بتمويل يصل إلى مليار يورو سنويًا مطلوب استثماره في مجال الانتقال الطاقي في المغرب"، ومن ذلك مجالات الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.

وشددت الوزيرة في حوار مع DW عربية على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ، الذي عقد ما بين 16 و18 فبراير/شباط الجاري، أن المغرب يتواصل مع شركائه في الاتحاد الأوروبي لأجل تقوية الاستثمار في الطاقات المتجددة، إذ يجب مضاعفته ثلاث مرات، لأجل وصول المملكة إلى أهداف الانتقال الطاقي، ومن ذلك بلوغ نسبة 52% من استخدام الطاقات المتجددة في الكهرباء قبل عام 2030.

وكان المغرب قد بدأ عام 2016 إنتاج الطاقة الشمسية من محطة نور في مدينة ورزازات، بالجنوب الشرقي للمملكة، ووضع المغرب خططا لبناء مجموعة من المخطات الشمسية ومحطات الطاقة الريحية. وفازت مجموعة أكوا السعودية بعقد بناء مشاريع الطاقة الشمسية في المدينة، وبلغت تكلفة أولى المحطات 841 مليون دولار أمريكي.

وعلاقة بالأحداث الجارية، قالت الوزيرة إن "العالم شهد خلال السنتين الماضيتين حربين كانت لهما تداعيات عالمية، وهذه التداعيات تأخذ وقتًا من الحكومات لبسط مشاريعها الاستراتيجية في ميادين الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة"، لافتة أن النقاشات خلال المؤتمر كانت مهمة للغاية، خصوصا أنما تمحورت كذلك حول التصدي لأزمة المناخ.

شراكة ألمانية-مغربية

وفي سياق العلاقات الألمانية-المغربية، أبرزت الوزيرة أن ألمانيا "كانت كانت شريكًا مهمًا خصوصًا بعد زلزال منطقة الحوز في سبتمبر/أيلول 2023، وقدمت قرابة 100 مليون يورو لمساعدة المغرب في مواجهة تداعيات الزلزال"، وهي الكارثة التي خلفّت حوالي 3 آلاف قتيل، وخسائر مادية كبيرة.

كما أبرزت الوزيرة أن مشاريع مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء توجد في صدارة اهتمامات المملكة، التي ستعمل على إصدار خارطة طريق خاصة بالهيدروجين الأخضر خلال الأسابيع المقبلة، من أهدافها بسط الحاجيات في البنى التحتية حتى يتمكن المغرب من نزويد االشركاء بهذه المادة الحيوية.

ويهتم الاتحاد الأوروبي بدعم مشاريع الطاقة الخضراء في المغرب، وأعلن مؤخرا عن دعم بقيمة 50 مليون يورو لأجل إنجاز برنامج لدعم الطاقات الخضراء وإزالة الكربون من القطاعات التنموية، حسب بيان صادر تزامنا مع قمة المناخ في دبي، نهاية 2023.

ليلى بنعلي
ليلى بنعلي: ألمانيا "كانت كانت شريكًا مهمًا خصوصًا بعد زلزال منطقة الحوز في سبتمبر/أيلول 2023، وقدمت قرابة 100 مليون يورو لمساعدة المغربnull DW

كما تحدثت بنعلي عن أن مشروع الطاقة الشمسية في مدينة "ميدلت" عرف بعض التعثرات، خصوصا بعض الاهتمام بمشاريع أخرى كمشروع "نور" في ورزازات، لكن عام 2024 سيعرف تسريع العمل في هذه المحطة التي تتوفر على تقنيات حديثة، كما أشارت إلى وجود مشاريع أخرى كتحلية مياه البحر، وكذلك المشاريع البيئية المرتبطة بالتنظيم المشترك بمونديال 2030.

أنبوب الغاز بين نيجريا والمغرب

وفيما يتعلق بالمشروع الضخم الذي أعلنه المغرب مع نيجيريا، أجابت بنعلي أن الدراسات التي تخص جدوى الاستثمار في هذا المشروع مستمرة، مؤكدة أنه سيتم الإعلان في السنتين المقبلتين عن قرار نهائي يخص الاستثمار. وأضافت: "حان الوقت لشركائنا على الصعيد الدولي أن يساهموا معنا في هذا المشروع المهم للقارة الإفريقية والعالم".

ويعدّ هذا الأنبوب المحتمل أضخم مشروع لنقل الغاز في إفريقيا، إذ سيمر في حال إنجازه على امتداد 5600 كلم، عبر 11 دولة إفريقية، هي بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.

ولم يعلن عن توقيت البدء في تشييد الخط، لكن وزير الدولة للموارد البترولية في نيجيريا أكبيريكي أيكبو يتوقع أن تبدأ الأشغال عام 2024 وأن تصل التكلفة الأولية للخط إلى نحو 25 مليار دولار على أساس إمكانية نقل ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز يوميا.

وتابعت الوزيرة: "المشروع سيتيح بلورة التنمية في الدول التي سيمر منها الأنبوب. حان الوقت لبلدان القارة الإفريقية أن تستفيد ماليًا من مواردها وأن يتم خلق الاستثمار داخل القارة الإفريقية". وردت على المخاوف الأمنية في منطقة الساحل بالقول: " لا يمكن الاستمرار في الربط بين المشاكل الأمنية والاستثمار في البنى التحتية".

وأوضحت أن الخطر يتهدد البنى التحتية المتعلقة بالطاقة أينما كانت، وأن هناك "أنابيب للغاز عرفت مشاكل أمنية وكانت تحت البحر في مناطق أخرى. وأن الوقت قد حان للخروج من هذا التصور التقليدي للأمن الطاقي"، وذلك في إشارة للتفجير الذي تعرضت له أنابيب خط "نورد ستريم" في بحر البلطيق، عام 2022، في أعقاب تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية.

ع.ا

السلطة الرابعة في تونس أمام خطر الاضمحلال وغياب الآفاق!

أطلقت منظمات حقوقية في تونس صيحة فزع من خطر اضمحلال دور الصحافة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية وقيود السلطة السياسية في وقت يفتقد فيه القطاع الى آفاق واضحة للمئات من الصحافيين العاطلين.

تخلت نسرين قطاطة مؤقتا عن حلمها بأن تمضي بطموحاتها المهنية في الصحافة التي أحبتها ودرستها بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، وهي المؤسسة الجامعية والعمومية الوحيدة التي تُدّرس هذا الاختصاص  في تونس. وتعاني نسرين التي عملت لسنوات كصحفية مستقلة (فريلانسر)، من بطالة قسرية بسبب انحسار فرص العمل في تخصصها وضعف العائد المالي من أعمالها المتقطعة. وبدل الاستسلام للبطالة توجهت الى شغفها القديم بأدوات الزينة التقليدية والأكسسوارات المصنعة من الحجارة الطبيعية. وتأمل نسرين من خلال تسويق منتجاتها على السوشيال ميديا، في ضمان دخل لعائلتها يعوضها عن الكساد الذي يضرب قطاع الصحافة في تونس.

وتروي نسرين تجربتها لـ DW عربية قائلة: "كانت مجرد هواية ولم تكن لي اي خبرات في تصنيع الموديلات أو التسويق. لكن تلقيت التشجيع والدعم من المقربين لأدخل التجربة من بابها الواسع. الآن أمل أن تسير الأمور بشكل جيد. عليَ التفكير في مستقبلي  ومستقبل ابني وضمان مورد رزق".

وتعد نسرين من القلائل الذين سعوا الى ابتكار حلول من بين مئات الصحفيين العاطلين. ولكنها مع ذلك تأمل في أن يستعيد القطاع عافيته سريعا والعودة الى مهنتها بمجرد توفر العرض المناسب. وتعترف الصحفية في حديثها مع DW عربية بان الأمر ليس بالسهولة المتوقعة بسبب العوائق العديدة التي تكبل الصحافة في تونس اليوم. وتتابع في شهادتها: "عملت سنوات كمراسلة مقابل الحد الأدنى من العائد المالي، لكن لم اشعر بتطور ولا بالراحة ولم تكن هناك اي ضمانات للمستقبل. يعاني القطاع من المحسوبية ونفوذ اللوبيات".

وقفة احتجاجية ضد القيود المفروضة على حرية الصحافة، تونس، 16 فبراير/ شباط 2023
وقفة احتجاجية ضد القيود المفروضة على حرية الصحافة في تونس، هل تفقد البلاد حرياتها الصحفية؟null Tarek Guizani/DW

أزمة هيكلية عميقة ومزدوجة!

وفي حين يُنظر إلى تونس كنقطة ضوء لحرية الصحافة وهامش الديمقراطية الأوسع في المنطقة العربية منذ ثورة الربيع التي قادتها في 2011، فإن نقابة الصحافيين التونسيين تقول إن الصحافة في عام 2024، تمر في تونس بأخطر مرحلة في تاريخها بسبب  "أزمة هيكلية عميقة"  تهدد وجودها. وذهبت المنظمة الى حد التحذير من اندثار المهنة بسبب الأزمة المزدوجة، من ناحية قتصادية ومالية، وأيضا من ناحية سياسية تشمل موقف السلطة ونواياها الحقيقية إزاء قطاع الصحافة.

وتأتي المفارقة في اليوم العالمي للإذاعة لتكشف عن حجم الازمة في تونس، حيث حذر رئيس النقابة التونسية للإذاعات الخاصة، كمال ربانة من عدم قدرة اغلب الاذاعات الخاصة على توفير أجور موظفيها بسبب شح الموارد مع تركز سوق الاعلانات أكثر فأكثر على السوشيال ميديا.

ويأمل ربانة بأن تتخذ الحكومة اجراءات لاحتواء هذه الظاهرة. لكن لا توجد اي ضمانات حقيقية على التقاط السلطة لهذا النداء. ومن جهته دق نقيب الصحفيين زياد دبار ناقوس الخطر مع اضطرار قرابة 80 بالمئة من مؤسسات الاعلام الخاص الى الاغلاق بسبب الضائقة المالية والاقتصادية، في وقت يتخبط فيه الإعلام العمومي بدوره في ازمة إدارية وهيكلية أثرت بشكل كبير على انتاجه للمضامين الإعلامية.

وفي حديثه مع DW عربية لم يستبعد دبار وجود سياسة منظمة من السلطة لدفع  قطاع الاعلام  الى الحافة، والتغاضي عن اتخاذ اي خطوات عملية لإنقاذ القطاع. ويوضح نقيب الصحافيين في تعليقه بالقول: "تعاني كل مؤسسات الاعلام في العالم من تبعات الازمة الاقتصادية واتجه كثير منها الى خدمة الديجيتال. لكن في تونس هناك فراغ مؤسساتي ولا توجد سياسة عمومية واضحة تجاه الاعلام والثقافة".

وتشكو ما تبقى من وسائل الاعلام التي تكافح من أجل الاستمرار، من توزيع غير عادل للإشهار العمومي، وهو دخل كان يمكن ان يضمن لها الحد الادنى للحصول على جزء من التزاماتها المالية. ولكن الصحافيين يلقون باللائمة على رؤوس الأموال التي استحوذت على مشاريع اعلامية ولكنها أدارت ظهرها لحقوق الصحافيين المالية والاجتماعية. وقال زياد الدبار "غالبا ما تقترن هذه الاستثمارات في القطاع الخاص ضمنيا بمشاريع سياسية. وعمليا تسببت هذه الاستثمارات في عمليات تخريب للإعلام وفي تفشي موجة من الرداءة في المضامين".

تهديد الصحفيين في تونس

التفاوض مع من؟

وتواجه النقابة معضلة في التفاوض مع الحكومة بشأن أوضاع القطاع، والسبب أن الجهاز الحكومي ومنذ استحواذ الرئيس  قيس سعيد  على السلطة بعد اطاحته بالنظام السياسي في 2021 لم يعين مسؤولين او متحدثين باسم الحكومة للتفاوض مع النقابة او حتى للتحدث الى الرأي العام. وتخير مؤسستي الرئاسة والحكومة والوزارات نشر البيانات ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. وتسبب هذا في انحسار تداول المعلومات والأخبار على نطاق واسع.

ولم يتسن لمؤسسة DW عربية الحصول على ايضاحات من مسؤولين من رئاسة الحكومة بشأن خطط الدولة   لإصلاح قطاع الإعلام. كما لم تتلق المؤسسة أيضا ردا على رسالتها عبر البريد الالكتروني.

ولكن الحكومة بعثت بإشارات غير مطمئنة بعد قرارها الحاق الصحافيين في اذاعة "شمس اف ام" الخاصة والمصادرة من قبل الدولة، بالاذاعة الوطنية. واذاعة "شمس اف ام" هي من بين مؤسسات اعلامية اخرى صادرتها الدولة من أصحاب رؤوس اموال مرتبطة بالنظام السائد قبل ثورة 2011 او بمقربين منه. وبدل تسوية وضعيتها وتسوية أجور موظفيها تم في نهاية المطاف التخلي عن المؤسسة التي اختفى وجودها من الساحة الاعلامية. وليس واضحا مصير باقي المؤسسات التي تعاني من نفس المشكل.

على العموم وبالعودة الى تصريحات الرئيس قيس سعيد، فإن مواقفه لم تخل من انتقادات متواترة للإعلام ومنظمات المجتمع المدني بشكل أوسع، لاتهامها أساسا بتلقي "تمويلات أجنبية". كما وجه انتقادات صريحة للخط التحريري لمؤسسات اذاعية وتلفزيونية على أساس أنها تتحامل على السلطة وتخدم "أجندات سياسية" مناوئة لحكمه.

وينظر المراقبون بارتياب الى نوايا السلطة المعلنة بتعديل المرسوم 88 لعام 2011 الذي ينظم نشاط الجمعيات، حيث يشترط التعديل مثلا حصول المنظمات على موافقة الحكومة قبل تلقي التمويل الأجنبي والحصول على التأشير من الحكومة وتقديم نسخة من نظامها الأساسي قبل النشر بالجريدة الرسمية. كما يتضمن التعديل منعا لمسيري الجمعيات من الترشح إلى الانتخابات السياسية.

صحفيون في تونس يتضاهرون ضد تقييد حرياتهم، تونس في 16 فبراير/ شباط 2023
الصحفيون في تونس يواجهون إجراءات التضييق، هل تفقد البلاد صحافتها الليبرالية؟null Tarek Guizani/DW

ورفضت 46 منظمة حقوقية في بيان مشترك أي خطوة لتعديل أو لإلغاء المرسوم، بدعوى أنه يهدد فعليا  دور المجتمع المدني  كقوة ضغط ورقابة، كما يوجه ضربة لما تبقى من مكاسب الديمقراطية التي جاءت بها ثورة 2011. وحذرت المنظمات من أن الخطوة تنطوي على رغبة السلطة في "التحكم والسيطرة على الفضاء العام والقضاء التدريجي على الأجسام الوسيطة".

انتكاسة وقيود

لكن الازمة في قطاع الاعلام تحديدا تجد جذورها في أسباب أبعد من ذلك. ويقول زياد الهاني الصحفي البارز والمعارض لسياسات الرئيس قيس سعيد، في حديثه لـ DW عربية إن "الانقلاب الذي حدث في 25 تموز/يوليو 2021 لم يستهدف مؤسسات الحكم فقط، فالانتكاسة الاكبر تمثلت أيضا في الانقلاب على حرية الراي والصحافة والمرسومين المنظمين للقطاع ( 115 و116) الذين صدرا بعد ثورة 2011".

والهاني صحافي مخضرم ومنتقد لسياسات النظام الحاكم منذ عهد بن علي قبل ثورة 2011. وكانت له مدونة خاصة على شبكة الانترنت في ظل القيود على  حرية الصحافة  آنذاك. وواصل لاحقا بعد أحداث الثورة انتقاداته للسلطة واتحاد الشغل القوي وتعرض للإيقاف في 2013.

كما يعد الهاني أبرز ضحايا تخلي السلطة عن القوانين المنظمة لقطاع الصحافة، عبر تحريكها دعاوي قضائية استنادا الى قوانين أخرى كقانون مكافحة الارهاب وغسيل الاموال، او المرسوم 54 المنظم للجرائم المرتبطة بأنظمة الاتصال والمعلومات الذي اصدره الرئيس سعيد نفسه.

وتقول النقابة إن نحو 20 صحافيا ملاحقون من القضاء. وتعرض الهاني الى الايقاف في السجن لمدة تفوق الشهر بعد انتقادات علنية وجهها لوزيرة التجارة. وتحدث الصحفي الذي يخضع للعلاج ضد مرض السرطان، مع DW عربية بعد قرار القضاء اخلاء سبيله بعقوبة سجنية لمدة ستة أشهر مع ايقاف التنفيذ.

ومع ان الهاني تعرض للايقاف في اكثر من مناسبة إلا انه يعترف لـDW عربية بأن الملاحقة القضائية والعقوبات التي تعرض لها منذ عام 2021 تعد الأكثر "قمعا". وبعد التخلي عنه من قبل اذاعة "ابتسامة اف ام" الخاصة ابان مغادرته للسجن، لجأ الى تقديم فقرات نقدية وساخرة للسلطة على منصة "كشف ميديا" المستقلة التي تبث برامجها على تلفزيون واب  عبر السوشيال ميديا.

ويقول زياد "كلما أغلقوا منبرا فتحت منبرا جديدا. وكلما حاولوا اسكات صوتي أبحث عن مجالات وأطر أخرى للمحافظة على خطي ورسالتي في الدفاع عن   حرية الصحافة  وفي أن اكون سلطة مضادة".

يشار إلى ان تونس تراجعت وفق آخر ترتيب سنوي لحرية الصحافة من قبل منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى المركز 121 من ضمن 180 دولة، بعد أن كانت في المركز 94 عام 2022 وفي المركز 73 عام 2021 لتخسر بذلك الصدارة العربية إلى المركز الخامس خلف جزر القمر، وموريتانيا، وقطر ولبنان.

السياحة العلاجية في تونس تساهم في إنعاش الاقتصاد المتعثر

قدمت بينتو يونوسا (25 عاما) من النيجر إلى  تونس  لتباشر علاجا للعقم داخل مصحة في بلد يتوجه إليه أكثر من مليوني أجنبي للعلاج سنويا ما يساهم في إنعاش الاقتصاد  المتعثر. وتقول الطبيبة المسؤولة في وزارة الصحة نادية فنينة لوكالة فرانس برس إن "تونس هي الأولى في إفريقيا من حيث الطلب على الرعاية والعرض".

وعلى الرغم من التوقّف الذي حصل خلال جائحة كورونا، يحقّق القطاع حوالى 3,5 مليار دينار (أكثر من مليار يورو) كرقم أعمال سنوي. وفي العام الفائت، شكّلت السياحة العلاجية (الاستشفاء والأدوية والأنشطة ذات الصلة) نصف إيرادات قطاع السياحة بأكمله.

وتمثّل السياحة 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتعدّ ركيزة لاقتصاد الدولة المثقل بالديون والمتباطئ بنسبة نمو 1,2 في المائة في العام 2023، وفقًا لإحصاءات البنك الدولي.

وتقول بينتو يونوسا إنها تلقت علاجا في السابق في دول أخرى من أجل الإنجاب قبل أن ينصحها أحدهم بطبيب "ذي كفاءة عالية" في تونس. وتضيف "أنجبت شقيقة زوجي توأما بعد أن خضعت لعملية تخصيب اصطناعي في تونس. لهذا السبب، جئت إلى تونس لإجراء العملية".

وجمّدت شقيقتها خديجة البالغة من العمر 32 عاماً، والتي ترافقها، بويضات منها منذ خمسة أشهر في المصحة الخاصة نفسها في تونس المتخصصة في عملية الإنجاب بمساعدة طبية.

ويؤكد الطبيب فتحي زهيوة الاختصاصي في أمراض العقم لوكالة فرانس برس أن المركز استقبل 450 زوجا من أجل عمليات تخصيب في المختبر خلال العام الفائت، وعدد كبير منهم من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء حيث المؤسسات الصحية لعلاج العقم نادرة.

 أمّا بقية طالبي العلاج فيأتون من دول شمال إفريقيا ولبعضهم أقارب في تونس، أو من دول أوروبية وبينهم بريطانيون وسويسريون وكنديون على وجه الخصوص، "لأن التكاليف أقل بعشر مرات" من تلك التي في بلدانهم.

ويشير الى أنهم "يختارون تونس أيضا لأن لدينا إخصائيين في العقم معترف بهم عالميا". ويُعالج أكثر من 500 أجنبي داخل المستشفيات التونسية سنويا، ويتم علاج أكثر من مليونين آخرين في عيادات.

والليبيون في مقدمة المرضى الأجانب يليهم الجزائريون، ثم مواطنو دول إفريقيا جنوب الصحراء، بحسب فنينة.

ويتلقّى أكثر من نصف المرضى علاجا من أجل الإنجاب أو الأورام، أو أمراض القلب أو يخضعون لعمليات جراحية.

عمليات تجميل..

ويأتي الأوروبيون بشكل أساسي لإجراء عمليات تجميل التي تمثل 15 في المائة من مجموع العلاجات. وتوضح الطبيبة المسؤولة في وزارة الصحة نادية فنينة أن تونس هي "الأولى" في إفريقيا بفضل "حوالي مئة مصحة خاصة متخصصة تتمتع بتقنيات وتخصصات رفيعة المستوى ومهارات معترف بها".

ويزور محمد الليبي والذي يبلغ من العمر 59 عاما، تونس كل ستة أشهر لإجراء فحص طبي لدى طبيب القلب بعد عملية "دقيقة" خضع لها. ويقول لفرانس برس "هذا الطبيب أنقذ حياتي، ولن أغيّره أبداً".

ويعتزم محمد رفقة زوجته "الاستفادة من الرحلة الحالية إلى تونس لتمضية بضعة أيام من الاسترخاء في طبرقة"، المدينة الساحلية والسياحية في شمال غرب تونس.

 وتؤكد فنينة أن "السياحة العلاجية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقطاع (السياحي)، لأن المريض الأجنبي هو أيضًا سائح، ولا يأتي في غالب الوقت بمفرده وبالتالي يحتاج إلى إقامة بمستوى لائق".

ألمانيا وجهة مفضلة للسياحة العلاجية

وتتابع "إن الترويج للسياحة العلاجية يعتمد على تطوّر قطاع السياحة" إجمالا. وتضيف "لو لم تكن لدينا سياحة متطورة ومنظمة بشكل جيّد، لما وصلنا إلى هذا المستوى".

 وتعتبر الطبيبة أن للسياحة العلاجية "إمكانات قوية ويمكن أن تحقق أرقامًا أكبر إذا تغلبنا على بعض العقبات والقيود".

وتشير إلى غياب خطوط جوية مباشرة بين تونس وبعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، فضلا عن بطء في منح التأشيرات. "لهذا السبب نعمل على الحصول على تأشيرة طبية".

ولتسهيل وصول المرضى إلى تونس ومراقبتهم، تقوم وزارة الصحة بإعداد نص قانوني ينظّم نشاط جميع الجهات المعنية من الوكالات المتخصصة والوسطاء.

وتعمل الوزارة أيضًا مع القطاع الخاص لإنشاء عيادات أخرى ومراكز إيواء جديدة لكبار السنّ الأوروبيين الذين يحتاجون إلى مرافقة.

ر.ض/ أ.ح (أ ف ب)

        

 

الجزائر- مالي.. كيف تدهورت العلاقة بسبب النزاع مع الطوارق؟

تطورات متسارعة في الدول الجنوبية للجزائر، بعد إعلان المجلس العسكري الحاكم في مالي، إنهاء اتفاق الجزائر للسلام الذي وقعته الحكومة آنذاك مع الانفصابيين، بأثر فوري، كما اتهم المجلس الجزائر بالقيام بـ"أعمال عدائية وبالتدخل في شؤون البلاد الداخلية".

بعد ثلاثة أيام على هذا القرار، أعلنت مالي إلى جانب بوركينا فاسو والنيجر، انسحابها بمفعول فوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بمبرّر أن هذه المجموعة "تخون مبادئها التأسيسية وباتت تشكل تهديداً لدولها الأعضاء وشعوبها، وهي تحت تأثير قوى أجنبية".

ويرى سليمان الشيخ حمدي، الخبير الموريتاني في شؤون الساحل والصحراء، أن "الهدف هو توجيه رسالة للداخل من أنهم يتعرضون لمؤامرة كبيرة، وبالتالي سيستغلون الخلاف مع الجزائر لمحاولة رصّ الصفوف الداخلية وتوحيد المعارضة خلفهم، لأجل محاولة استعادة هيبة الدولة المالية".

ويتابع الشيخ حمدي لـDW عربية أن العسكريين في باماكو يتذرعون بأن اتفاق 2015 جرى في إطار حكومة ضعيفة قدمت تنازلات كبيرة للمسلحين، والآن يمكن وقف هذا الاتفاق وفرض سيادة كاملة، خصوصاً مع الدعم الروسي ومع محاولتهم السيطرة العسكرية التامة على البلد".

نهاية اتفاق دعمته الجزائر

لعبت الجزائر دوراً رئيسياً، إلى جانب دعم أمريكي وفرنسي، في توقيع الحكومة المالية اتفاق سلام مع المتمردين عام 2015 بعد أشهر من مفاوضات شاقة. وشاركت جلّ الحركات التي تمثل الطوارق في الاتفاق، لإنهاء حالة العنف التي بلغت أوجها عام 2012، وأعلن على إثرها المتمردون في إقليم أزواد، شمال مالي، انفصال الإقليم لمدة وجيزة، دون أن ينال أيّ اعتراف.

وساهم اتفاق عام 2015 في تهدئة الوضع، خصوصا إثر اعتراف الحكومة المالية بخصوصية الإقليم الشمالي الذي يقطنه الطوارق، وهم مجموعة عرقية من أصول أمازيغية، فضلاً عن تطبيق اللا مركزية، وتنمية المنطقة الشمالية، والتحقيق في الانتهاكات التي وقعت في الإقليم، والعفو العام عن عدة شخصيات من الطوارق.

 توقيع الحكومة المالية اتفاق سلام مع المتمردين عام 2015
لعبت الجزائر دوراً رئيسياً، إلى جانب دعم أمريكي وفرنسي، في توقيع الحكومة المالية اتفاق سلام مع المتمردين عام 2015 بعد أشهر من مفاوضات شاقة.null Reuters/Zohra Bensemra

ويرى مراقبون جزائريون أن هناك توجهاً مناوئا لبلادهم من خلال القرار المالي الجديد. ويقول زيدان خوليف، أستاذ العلوم السياسية الجزائري، لـDW عربية "الطغمة العسكرية تريد التنصل من الاتفاق الذي ساهم في تهدئة شمال مالي، وهناك قطعاً أطراف خارجية حركت هذه المجموعة لاتخاذ القرار".

ويضيف خوليف: "الهدف هو أن تدخل المنطقة في حرب، خاصة بين مالي والجزائر، وأن تشتعل كل الجبهات التي تحيط بهذه الأخيرة، حتى تستمر في توجيه استثماراتها للسلاح بدل التنمية، لأن الجزائر باتت الآن مطالبة بحماية حدودها".

ومنذ نجاح الانقلاب في مالي عام 2020 على الرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، وإعلان تأسيس مجلس عسكري للحكم بشكل مؤقت على يد أسيمي غويتا، تباعدت الجزائر ومالي، خصوصاً على ضوء سياسة خارجية متقلبة لباماكو التي طردت السفير الفرنسي وتقاربت أكثر مع روسيا، لكن إصرار الجيش في مالي على الحسم العسكري للنزاع مع الطوارق كان أكبر أسباب الخلاف.

تضرّر العلاقات المالية-الجزائرية

تأسفت الجزائر رسميا لقرار مالي الأخير، وقالت في بيان لخارجيتها إن سلطات مالي كانت تحضر للقرار "منذ فترة طويلة"، وإنها "تراجعت منذ عامين بشكل شبه كلي عن تنفيذ الاتفاق أو محاولة بعثه، كما شككت في نزاهة الوسطاء الدوليين، وصنفت الموقعين على الاتفاق أنهم قادة إرهابيون"، فضلاً عن لجوئها إلى "مرتزقة دوليين" ومطالبتها بعثة الأمم المتحدة بالانسحاب.

وانتقدت الجزائر تمسك سلطات مالي بـ"الخيار العسكري"، وقالت إنه "التهديد الأول لوحدة الأراضي المالية"، وأنه يحمل بين طياته "بذور حرب أهلية"، و"يهدد السلم والاستقرار الإقليميين".

أسيمي غويتا في زيارة لموسكو ولقاء مع فلاديمير بوتين
بعد الانقلاب العسكري في مالي باتت روسيا تتمتع بنفوذ كبير في البلد الأفريقي ويمكن أن تلعب دورا في الخلاف بين الجزائر وماليnull Mikhail Metzel/TASS/dpa/picture alliance

لكن التوتر بدأ قبل أسابيع، إذ أدت اجتماعات في الجزائر شاركت فيها قيادات من الطوارق الماليين، إلى تبادل البلدين استدعاء سفيريهما للاحتجاج. مالي اتخذت الخطوة أولاً واستدعت السفير الجزائري يوم 20 ديسمبر/كانون الثاني 2023، للتنديد بالاجتماعات التي "تعقد على أعلى مستوى دون علم السلطات المالية"، و"يشارك فيها أشخاص معادون للحكومة، وحركات اختارت المعسكر الإرهابي".

وفي الشهر ذاته، زاد استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للإمام محمود ديكو، الشخصية الدينية والسياسية البارزة، المناوئة للسلطات في باماكو، من التوتر بين حكام مالي والجزائر. ودافع ديكو عن الزيارة، وصرح أن السلطات الانتقالية بدورها كانت مدعوة للاجتماع إلى جانب حركات أزواد، إلّا أن لا أحد غيره حضر اللقاء.

لكن خوليف يرى أن كل ما سيق من مبررات لا يرقى لتأكيد وصف "الأعمال العدائية" التي وردت في بيان باماكو بحق الجزائر، ويقول إن جزءا كبيراً من المعارضة المالية يرفض تأويل السلطات بتدخل جزائري لدعم الطوارق أو غيرهم، وإن بلاده لم تعلن أيّ حرب على مالي، بل هي "ضحية مؤامرة لإشعال المنطقة".

وعادت الحرب مجدداً في شمال مالي، عام 2023، واتهم المجلس العسكري حركات الطوارق بالتنسيق مع جماعات جهادية أهمها تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين المرتبط بالقاعدة، واستنجد بمجموعة فاغنر الروسية للتقدم في شمال مالي، حيث سيطر على عاصمة الطوارق كيدال، بينما أدى انسحاب بعثة الأمم المتحدة من شمال مالي إلى مزيد من توتر الأجواء.

أيّ علاقة مع الانسحاب من إيكواس؟

لكن تزامن انسحاب مالي وبوريكافاسو والنيجر من منظمة إيكواس، التي تضم 15 دولة، مع البيان المالي بشأن الجزائر أثار عدة أسئلة حول أسبابه. وما يجمع الدول الثلاث هو اشتراكها في موجة الانقلابات التي ضربت أجزاء من إفريقيا، وقد علقت المجموعة مشاركة هذه الدول الثلاث في مؤسساتها، ما يجعل قرار انسحابها منها منتظرا.

الانقلاب في مالي عام 2020
عرفت دول إفريقية موجة انقلابات، منها الانقلاب في مالي عام 2020 على الرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، وإعلان تأسيس مجلس عسكري للحكم بشكل مؤقت على يد أسيمي غويتا.null AP Photo/picture alliance

ولا يعتقد سليمان الشيخ حمدي أن التوتر مع الجزائر سيذهب لدرجة الحرب أو الاشتباكات المسلحة، لافتاً إلى أن الخلاف مؤقت، خصوصاً أن البلدين تدعمهما روسيا التي لن ترغب بأيّ توتر بينهما.

ويضيف الشيخ حمدي أن الانسحاب من إيكواس "تزامن بالصدفة مع وقف اتفاق السلام، بحكم أن دور مالي ميت في منظمة إيكواس، والعلاقات بينهما متوترة بسبب خروج مالي من الحضن الفرنسي الذي يدعم إيكواس".

من جانبه يرى زيدان خوليف أن "الانسحاب قرار في محله"، ويقول إنه "يجب إعادة تشكيل هذه المنظمة على أسس صحيحة، أو تشكيل تحالفات جديدة"، متابعا: "عوض أن تهدأ المنطقة، أصبحت إيكواس تتآمر على عدد من دول هذه المنطقة"، في تلميح منه لانتقادات كبيرة موجهة للمنظمة ولأدوارها السياسية والاقتصادية.

ولا تحظى الجزائر بعلاقات قوية مع "إيكواس"، خصوصا أنه رغم الخلاف المالي-الجزائري، فقصر المرادية رفض دعم خطط المنظمة بفرض عقوبات على السلطات العسكرية في مالي والنيجر. وتدرك الجزائر حساسية إبقاء علاقة متوازنة مع البلدين اللذين يتقاسمان معها حدودا برية شاسعة في الجنوب، تحفل بحساسية أمنية بالغة.

"الفيلق الأفريقي".. "فاغنر" روسية رسمية انطلاقًا من ليبيا!

كأس أمم إفريقيا ـ المغرب في اختبار حقيقي أمام جنوب إفريقيا

على ملعب لوران بوكو في سان بيدرو، يدخل  منتخب المغرب الذي تصدر مجموعته في كأس أمم إفريقيا بسبع نقاط من الفوز على تنزانيا 3-0 افتتاحا، التعادل أمام الكونغو الديموقراطية 1-1 ثم  الفوز على زامبيا  1-0، الثلاثاء (30 يناير/كانون الثاني 2024) أول اختبار حقيقي بمواجهة فريق قوي ومنظم بحجّم "بافانا بافانا".

صحيحٌ أن منتخب " أسود الأطلس " فرض نفسه أمام المنتخبات العالمية وكشر عن أنيابه في المونديال الأخير، إلا أن اللقب القاري لا يزال يعانده منذ أحرزه في المرة الوحيدة عام 1976.

عودة الركراكي ـ دفعة معنوية

ويعود وليد الركراكي لقيادة فريقه من الملعب بعد إلغاء عقوبته، وبعد غيابه عن دكة البدلاء في لقاء زامبيا إثر إيقافه أربع مباريات، اثنتان منها مع وقف التنفيذ، لأسباب انضباطية على خلفية الأحداث التي شهدتها نهاية المواجهة ضد الكونغو الديموقراطية والمشادة مع مدافعها وقائدها شانسيل مبيمبا.

وتشكل عودة المدرب الشاب الى دكة البدلاء دفعة هائلة قبل مواجهة جنوب إفريقيا. واحتفل لاعبوه بهدف الفوز في مرمى زامبيا بتوقيع حكيم زياش بقلوب تعبيرية نحو المدرب المتواجد في المدرجات.

مدرب منتخب المغرب وليد الركراكي (11/12/2023)
تشكل عودة المدرب الشاب وليد الركراكي الى دكة البدلاء دفعة هائلة لمنتخب المغرب قبل مواجهة جنوب إفريقيا.null Nour Aknajja/Sports Inc/empics/picture alliance

وانتقد الاتحاد المغربي قرار نظيره الإفريقي ووصفه بـ"المجحف" و"مجانبا للصواب"، مؤكدا أن الركراكي لم يخالف في أي وقت قيم اللعب النظيف، وتقدم باستئناف معزز بدفوعات قامت لجنة الاستئناف للاتحاد القاري بدراستها ومن ثم قبولها.

مخاوف من غياب زياش

مقابل عودة الركراكي، يخشى المغاربة من غياب حكيم زياش، الذي خرج بداعي إصابة بكاحله بين الشوطين في مباراة زامبيا. لم يتدرب لاعب غلطة سراي التركي، مصدر الخطورة الكبيرة في صفوف المغرب خلال كل مباريات دور المجموعات، مع المجموعة مذاك، حسب الإعلام المغربي.

وحسم الركراكي مصير جناحه سفيان بوفال مؤكداً أن مشواره "انتهى" بسبب تعرضه لإصابة عضلية، فيما أبقى مشاركة حكيم زياش ونصير مزراوي رهن الظروف وخياراته. واستبعد الركراكي إمكانية الزج بالجناح زياش في حال عدم مثوله للشفاء، وقال "في ما يخص حكيم زياش، تعرض بدوره لإصابة في القدم ضد زامبيا. لا نؤمن بمبدأ المجازفة. لا يمكن أن تضع لاعباً على أرض الميدان ثم تنتظر المجهول". وتابع "ندرس جميع الأمور رفقة الطاقم الطبي. نريد أن نجهزه لمباراة الغد. القرار سيؤخذ في آخر دقيقة إن لم يكن في آخر ثانية قبل بداية المباراة".

اللاعب المغربي حكيم زياش (23.09.2022)
يخشى المغاربة من غياب حكيم زياش، الذي خرج بداعي إصابة بكاحله بين الشوطين في مباراة زامبيا.null Pressinphoto/IMAGO

وفيما يتعلق مزراوي قال الركراكي إنه "يتدرب بشكل طبيعي والبداية من عدمها هي خياري. نشكر البدلاء. كل ما رسمناه مع الطاقم الطبي ثبتت صحته". وسبق والتقى الفريقان 5 مرات لحساب البطولة، ففازت جنوب إفريقيا في 1998 و2002، فيما فاز المغرب في 2019.

ولعب المنتخبان في مجموعة واحدة في تصفيات  البطولة ، فتبادلا الفوز كل على ملعبه 2-1.

وعن مواجهة جنوب إفريقيا بطلة 1996، قال لاعب الوسط سفيان أمرابط "نريد أن نصل إلى أبعد حد ممكن في هذه البطولة". وتابع أمرابط الذي يتألق بجانبه عزّ الدين أوناحي "بالنسبة لنا البطولة تبدأ الآن ونعد الجمهور بالعودة بالبطولة".

ويواجه الفائز بهذه القمة الفائز من لقاء الرأس الأخضر وموريتانيا في 3 شباط/فبراير على ملعب شارل كونان باني في ياموسوكرو.

ع.ج.م/ع.ش (أ ف ب)

"إذا توقفن سيجوع البلد"- حقوق مهضومة لعاملات الزراعة في تونس

تحمل حنان الجبلي التي تعمل في القطاع الزراعي منذ أكثر من عقد من الزمان، تحديا مضاعفا في مهنتها الشاقة. فعلى الرغم من صغر سنها الذي لا يتجاوز الحادية والعشرين سنة، فهي تعمل يوميا في الحقول لتؤمن كلفة علاجها ودوائها، اذ تعاني من مرض الكلى.

ولم يثنها هذا المرض من أن تنضم الى باقي العاملات  لزراعة البذور  او لجني المحاصيل، وهي تقول بحماس لـDW عربية: "تعمل النساء هنا من أجل رعاية أطفالهن ودفع فواتير الكهرباء والماء والمعيشة وأنا أعمل من أجل كلفة الدواء".

وتقدر "جمعية المرأة الريفية" عدد العاملات في القطاع الزراعي  في تونس بنحو 600 ألف. وتذهب منظمات نسوية أخرى الى تقديرات أعلى باحتساب العاملات القاصرات أو اللواتي ينشطن في ضيعات عائلية أو قرى صغيرة. ولكن في كل الأحوال، هناك إجماع بشأن الصعوبات التي ترافق عمل المرأة الريفية في تونس، لتتحول إلى ما يشبه "صورة نمطية".

وتتلخص المتاعب أساسا في ظروف العمل الهش مثل تدني الأجور حيث يتراوح الأجر اليومي ما بين 10 و15 دينارا  (ما بين 3 و5 دولارات) في أقصى الحالات، بجانب الافتقاد الى ضمانات مثل التغطية الاجتماعية والنقل الآمن الى القرى والحقول.

وتقول حنان بنبرة احتجاجية: "من بين حقوق الانسان أيضا أن يحظى العامل في عمله برعاية صحية ونقل آمن وأن يحصل على مستحقاته المالية بشكل منتظم".

ومع زيادة وعيها بحقوقها لا تتردد حنان في إعلاء صوتها بقوة لتذكير السلطة والمجتمع بما هو موكول على عاتق النساء في  القطاع الزراعي. وتضيف بثقة لـ DW عربية: "اذا توقفت النساء عن العمل في الحقول فلن يكون هناك عملة ولن يأكل الشعب التونسي".

مبادرة فالحة في تونس- من أجل ضمان حقوق النساء والأمن الغذائي
مبادرة فالحة في تونس- من أجل ضمان حقوق النساء والأمن الغذائيnull privat

معاناة في الظل

على مدى عقود ظل ملف العاملات في الزراعة التونسية متواريا لكنه منذ عام 2019 طفى بقوة على السطح في أعقاب حادث نقل مأساوي في ولاية سيدي بوزيد، تسبب في وفاة 10 عاملات ليلقى الضوء بقوة على وضعهن المذري، ويكشف عن معاناة في الظل للآلاف من العاملات الفلاحيات.

في العادة يعتمد السماسرة والوسطاء الذين يؤمنون التوظيف والنقل العشوائي في المناطق الريفية للعاملات على شاحنات تفتقد الى عناصر حماية كافية. وغالبا ما يتسبب هذا في حوادث مأساوية.

وتحت ضغط   الجمعيات النسوية والحقوقية  أصدر البرلمان في 2019 قانونا لتنظيم هذا الصنف من النقل. لكن حوادث المرور لم تتوقف وكان آخرها حادث بولاية بنزرت (منتصف يناير 2024) خلف اصابات في صفوف 39 شخصا من بينهم عاملات، مع تعرض اربع منهن لكسر على مستوى الحوض استوجب اخضاعهم الى عمليات جراحية.

واجمالا أحصى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 69 من حوادث المرور لعاملات الزراعة منذ عام 2015 خلفت 835 حالة اصابة و55 حالة وفاة، وهو "رقم مفزع" كما يصفه المنتدى.

ويضيف رئيس المنتدى عبد الرحمان الهذيلي أن هذه الحوادث تمثل"إجراما في حق العاملات في القطاع الفلاحي تتجاوز كل التوصيفات القانونية المنصوص عليها في قوانين مقاومة العنف وقوانين الشغل لتصل الى حد القتل العمد والاتجار بالبشر".

لكن بخلاف النقل، تفيد الاحصاءات التي قدمها المنتدى في دراسة ميدانية أن 92 بالمائة من العاملات في القطاع الفلاحي يعملن دون تغطية اجتماعية، بينما تتقاضى 2 بالمائة فقط من العاملات الفلاحيات، الأجر الأدنى الفلاحي المضمون (حوالي 6 دولار يوميا) في حين تتقاضى 78 بالمائة من العاملات أدنى من ذلك.

ويصنف المنتدى هذا السلوك الشائع في الحط من أجرة الفلاحيات رغم مساهمتهن في تنمية الاقتصاد الزراعي وضمان الأمن الغذائي،  بالعنف المنظم ضد المرأة.

وتقول الناشطة بالجمعية بدرة الجلاصي التي أطلقت مبادرة سمتها "فالحة"، لتعزيز الوعي بدور العاملات في القطاع الزراعي: "نريد تغيير السلوك الاجتماعي تجاه ظواهر محددة بطريقة مختلفة. لا نريد ان تبقى المرأة ضحية هذا الواقع".

تغيير الصورة النمطية

تعمل "جمعية المرأة الريفية" على زيادة الوعي بالدور المحوري للمرأة في القطاع الزراعي وتغيير تلك الصورة النمطية "للعاملة الضحية". وتركز أنشطتها بشكل خاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسهولة انتشارها وعبر دورات تدريبية مباشرة للعاملات في المناطق الريفية.

وتضيف الناشطة لـ DW عربية أن "المرأة تمثل حلقة انتاج مهمة في الزراعة. اذا لم تعمل فلن يكون هناك انتاج. لهذا نعمل على تغيير المفاهيم والتعريف بقصص النساء على أوسع نطاق ممكن لإيجاد حلول حقيقية للمشاكل التي تعاني منها".

نساء تونسيات عاملات في الزراعة ـ بدون حقوق بعيدا عن القوانين التي تنص على عكس ذلك؟
نساء تونسيات عاملات في الزراعة ـ بدون حقوق بعيدا عن القوانين التي تنص على عكس ذلك؟null privat

هذا ولا تتوقف مشاكل المرأة الزراعية عند  محيطها المهني  فالصعوبات التي ترزح تحت وطأتها تلقي بآثارها على عائلتها وأبنائها ومستقبلهم التعليمي، حيث تتفشى  ظاهرة الانقطاع المدرسي  في صفوفهم.

وثمة معاناة اضافية تتمثل في آثار التغير المناخي الذي عطل بشكل واسع أعمال المرأة في القطاع الزراعي بسبب الجفاف الذي ضرب تونس في سبعة مواسم من بين المواسم الثمانية الأخيرة. وتشير رئيسة "جمعية المرأة الريفية" إلى أن التغير المناخي دفع الكثير من العاملات الفلاحيات الى التنقل الى مناطق بعيدة بحثا عن مورد رزق، وهذا الامر ضاعف من متاعبهن.

وجاء قرار الحكومة بالحد من الزراعات ذات الاستهلاك العالي للمياه بهدف التقشف في الموارد المائية المتاحة ليقلص بشكل كبير من فرص العمل للآلاف من النساء ومن زيادة التقليص ايضا في أجور اللواتي ما يزال لديهن فرصة عمل. وتروي "حدة" العاملة الفلاحية بجهة القيروان معاناتها لـ DW عربية بيأس وتقول: "نحن نعاني إلى حد اقصى. الأجرة اليومية ليست مطابقة للجهد الذي نبذله".

تعيل حدة ثلاثة أطفال وعليها تدبر أمرها كل يوم بيومه، بأجرة لا تتجاوز 4 دولارات في اليوم مقابل 10 ساعات عمل، من أجل مجابهة ارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة اليومية.

وتقول وزيرة المرأة في تونس آمال موسى ان الحكومة خططت بالفعل في 2023 من أجل توفير ما يقارب خمسة آلاف موطن رزق من خلال مشاريع فلاحية، تم تنفيذ 40 بالمئة منها، في اطار برامج مختلفة من اجل التمكين الاقتصادي للنساء والفتيات والأسر ولأمهات التلاميذ المهددين بالانقطاع المدرسي.

لكن منظمات حقوقية تقول ان هذه المبادرات لا تكفي لحل أزمة متفشية في أغلب الولايات وباتت سلوكا نمطيا لا يحل مشكلة  المرأة الفلاحية.

وتدرك حدة أن الطريق لا يزال طويلا لتغيير الواقع، ومع ذلك تحتفظ المرأة بقدر من الرضى فيما تقدمه مع باقي العاملات. وتقول لـ DW عربية بفخر: "عزاؤنا اننا نشعر بالرضى عندما نشاهد الحقول خضراء ونساهم بتقديم شيء إلى المجتمع وأولادنا. اذا لم نعمل ستضطر الدولة الى الاستيراد وهذا يضر بالاقتصاد".

 

بعد قيادتها لمباراة بكأس إفريقيا.. عين كربوب على كأس العالم

دخلت الحكمة المغربية بشرى كربوب، التاريخ من بابه الواسع بعد أن باتت أول حكمة عربية تدير مباراة في بطولة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للرجال. وأدارت بشرى كربوب أمس الاثنين (22 يناير/ كانون الثاني 2024) مباراة نيجيريا وغينيا بيساو في إطار الجولة الثالثة للمجموعة الثانية في بطولة كاس أمم إفريقيا لكرة القدم المقامة حاليا في كوت ديفوار. وقد انتهت هذه المباراة بفوز نيجيريا بهدف دون مقابل.

وأدارت بشرى المباراة  بنجاح بمساعدة الكاميروني كارين فومو، مساعدا أولا، والزامبي ديانا شيكوتيشا، مساعدا ثانيا، فيما أنيطت مهمة الحكم الرابع، للمغربي جلال جيد.

وحضي تكليف الحكمة المغربية بإدارة مباراة رجالية في أمم افريقيا بتفاعل كبير باعتبارها اول امرأة عربية وثاني افريقية تنال هذا الشرف بعد الرواندية سليمة كاسانغانا.

 

 

شرطية عاشقة لكرة القدم

 

بشرى كربوب البالغة من العمر 34 عاما هي ضابطة في الشرطة المغربية ولا زالت تمارس وظيفتها إلى جانب التحكيم وتقول بهذا الخصوص لبرنامج African Voices Playmakers الذي تبثه قناة  CNN  "كنت أحلم منذ الصغر بأن أصبح شرطية وأنا ممتنة لممارسة الوظيفة التي طالما حلمت بها..عندما يتوجب علي حضور مباراة أطلب الإذن من رؤسائي حتى أتمكن من السفر في المغرب أو إلى الخارج. وبمجرد انتهاء المباريات أعود إلى عملي وعائلتي. هاتان الوظيفتان تتطلبان القليل من التضحية".

ويبدو أن هذه التضحية أتت أكلها، ففي 10 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2020، دخلت بشرى كربوب التاريخ بخطوة مميزة، عندما أدارت مباراة المغرب التطواني وأولمبيك خريبكة في الجولة الأخيرة من الدوري المغربي، لتصبح أول حكمة تدير مباراة في تاريخ الدوري المغربي. كما تم تكليفها بإدارة مباراة الجيش الملكي والمغرب التطواني في نهائي كأس العرش المغربي، ما يجعلها أول حكمة تدير مباراة نهائية في تاريخ الكرة العربية.

أظهرت بشرى كفاءة  كبيرة ما جعلها تحظى بإعجاب الجماهير والخبراء على حد سواء على مستوى القارة الأفريقية.

شاركت الحكمة المغربية أيضا في إدارة مباريات كأس العالم للسيدات في عام 2023، التي أقيمت في أستراليا ونيوزيلاندا حيث قدمت أداءً متميزاً ومن دون أخطاء تحكيمية في المباراة التي جمعت المنتخبين الأميركي والفيتنامي، وهي المباراة التي عرفت حضور المغربيتين فتيحة جرمومي وسكينة حامدي، حَكمتين مساعدتين. كما كانت بشرى كربوب حاضرة ضمن الطاقم التحكيمي الذي قاد المباراة النهائية لكأس العالم للسيدات، التي توجت فيها إسبانيا على حساب إنجلترا.

تألقت بشرى كربوبي أيضا في كأس العالم للسيدات، حيث أدارت باقتدار مباراة الولايات المتحدة والفيتنام
تألقت بشرى كربوبي أيضا في كأس العالم للسيدات، حيث أدارت باقتدار مباراة الولايات المتحدة والفيتنامnull Abbie Parr/AP Photo/picture alliance

تقول بشرى كربوب إن مصدر إلهامها الكبير هو الحكم المغربي الراحل سعيد بلقولة الذي كان حكما دوليا وقاد نهائي كأس العالم عام 1998 بين فرنسا والبرازيل . ولا يزال حتى يومنا هذا أول حكم افريقي وعربي يدير مباراة نهائية في كأس العالم. وتقول بهذا الخصوص "لقد كان نموذجا يتحدى به لجيل كامل من الشغوفين بكرة القدم في العالم العربي وفي إفريقيا".

وبعد تحقيقها لحلمها في تحكيم مباراة في كأس العالم للسيدات وكأس أمم افريقيا للرجال، يبقى الحلم المقبل للحكمة المغربية بشرى كربوبي والذي تأمل في تحقيقه، حسب قولها، هو التحكيم في كأس العالم للرجال.

هشام الدريوش

تزايد دور المغرب "كحارس" للحدود الأوروبية من الهجرة غير النظامية

يزداد دور المغرب "كحارس" للحدود الأوروبية من الهجرة غير النظامية  إذ صدر بيان حديث عن القوات المسلحة الملكية المغربية أفاد بإيقاف حوالي 87 ألف مهاجر غير نظامي العام الماضي بما يشكل زيادة كبيرة عن معدل عام 2022، الذي شهد تسجيل إيقاف 56 ألف مهاجر بين يناير / كانون الثاني وأغسطس / آب من ذاك العام.

وأشار الجيش في بيانه إلى أن معظم عمليات الإيقاف جرت قرب الساحل الغربي للمغرب.

الجدير بالذكر أن جزر الكناري الإسبانية تبعد حوالي مئة كيلومتر عن الساحل الغربي للمغرب.

وفي السياق ذاته، أفاد  بيان أوروبي  بوصول أكثر من 56 ألف مهاجر إلى الجزر الإسبانية انطلاقا من هذا المسار في الفترة ما بين يناير / كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، ما يمثل زيادة غير مسبوقة بلغت 82% مقارنة بعام 2022.

لكن ليس كل المهاجرين، الذين وصلوا إلى جزر الكناري، ينطلقون من المغرب، إذ يستقل العديد منهم سفنا صغيرة أو قوارب مطاطية للإبحار من الساحل الغربي لأفريقيا.

وكان العام الماضي مأساويا إذ لقي عدد قياسي من المهاجرين  حتفهم في عرض المحيط الأطلسي، فيما ذكرت منظمة "كاميناندو فرونتيراس" الإسبانية غير الحكومية أن 6618 مهاجرا قضوا حتفهم خلال رحلة الوصول من  المغرب  إلى جزر الكناري، ما يمثل معظم حالات الوفاة أي ضعف ما سُجل عام 2022.

وفي مقابلة مع DW، قالت سونيا حجازي، نائبة مدير "Leibniz and Zentrum Moderner Orient" (مركز لايبنتز للشرق الحديث)، وهو معهد بحثي ألماني، إن "هناك العديد من الأسباب وراء تزايد استخدام ما يُعرف بالطريق الغربي في ظل أن طرق (الهجرة) الأخرى تتسم بالخطورة".

وأضافت أن الظروف في ليبيا باتت أكثر قسوة حيث يتم اعتراض المهاجرين وإعادتهم بقسوة، فيما يجرى احتجازهم في سجون غير إنسانية، مشيرة إلى أن الدول الأخرى في منطقة شمال أفريقيا "ليست معروفة بتعاملها اللين مع المهاجرين".

في بداية العام الجديد، اعترضت القوات المغربية أكثر من ألف مهاجر غير نظامي كانوا يستعدون للتوجه إلى جيبي سبتة ومليلية
في بداية العام الجديد، اعترضت القوات المغربية أكثر من ألف مهاجر غير نظامي كانوا يستعدون للتوجه إلى جيبي سبتة ومليليةnull Fadel Senna/AFP/Getty Images

ميثاق الهجرة المغربي

وفي ضوء هذه المعطيات، من المتوقع ازدياد دور المغرب كحارس لما يُعرف بـ "بوابة الهجرة الأوروبية"، إذ بعد سبع سنوات من المفاوضات الماراثونية، اتفقت الرباط والاتحاد الأوروبي على  اتفاق بشأن الهجرة  أواخر العام الماضي.

وفي هذا الإطار، قام الرئيس التنفيذي للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، هانز ليتينز، بزيارة المغرب عدة مرات بهدف تعزيز الحوار والتعاون مع السلطات المغربية المنوط بها ضبط وإدارة الحدود.

وفي بيان، قال المسؤول الأوروبي إن "المغرب يبرز كشريك هام في أفريقيا".

وفي تعليقها، قالت كاميل لو كوز، المديرة المساعدة لمعهد سياسة الهجرة في أوروبا، إن من المهم التأكيد على أنه رغم التوصل إلى اتفاق، إلا أننا "بعيدون جدا عن تنفيذه".

وفي مقابلة مع DW أوضحت أن "هذا اتفاقا سياسيا سيحشد الاتحاد الأوروبي بموجبه ميزانيات وموظفين بهدف إنشاء بنية تحتية حتى يصبح اتفاق الهجرة أمرا حقيقيا في غضون سنوات قليلة".

في المقابل، قالت سونيا حجازي إن "طرفي المعادلة يتمثلان في دعم الاتحاد الأوروبي لمطالب المغرب الإقليمية، فيما يدعم المغرب السياسة الأوروبية الخاصة باللاجئين".

وقال مراقبون إن الالتزام المغربي واجه اختبارا مطلع العام الجاري. فعشية رأس السنة تمكنت القوات المسلحة الملكية المغربية من اعتراض واعتقال حوالي 1100 شخص من المغرب و الجزائر وتونس واليمن و بلدان جنوب الصحراء الكبرى كانوا في طريقهم إلى جزر الكناري وجيبي سبتة ومليلية الإسبانيين.

ويقع جيبا مليلية وسبتة على الساحل الشمالي للمغرب ويمثلان الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع القارة الأفريقية، ويتعرض الجيبان بانتظام لمحاولات دخول سرية.

 المصالح السياسية

وترى سارة زعيمي، نائبة مدير الاتصالات في المجلس الأطلسي للأبحاث ومقره واشنطن، أن المغرب ينظر إلى قضية "الهجرة بمثابة ورقة ضغط كلاسيكية في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي".

وفي مقابلة مع DW، أضافت أنه بين عامي 2020 و2021 ووسط أزمة مع إسبانيا، "سمح المغرب عمدا لمهاجرين محليين ووافدين سريين باقتحام حدود جيبي سبتة ومليلية، مما تسبب في حالة ذعر كبيرة داخل الحكومة الإسبانية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي".

وأشارت إلى أن الواقعة أسفرت عن فرار حوالي ألفي شخص صوب حدود مليلية مما أدى إلى أعمال عنف و شغب دامت لساعات و أودت بحياة 23 شخصا في يونيو / حزيران عام 2022، مضيفة أنه تلى ذلك ظهور بوادر "ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين".

وقالت الباحثة إن هذا "الوضع مهد الطريق أمام تحقيق توافق بين المغرب وإسبانيا".

وبالإضافة إلى التعاون الحدودي، وافقت إسبانيا على مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية، التي استقلت عن إسبانيا عام 1975، وتحولت موضع نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وأصبح الإقليم الذي تعتبره الأمم المتحدة "إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي وهو جزء من مستعمرة سابقة" كانت خاضعة لأسبانيا،  نقطة انطلاق مفضلة للمهاجرين  الطامحين إلى الوصول إلى جزر الكناري.

ويقول مراقبون إن إسبانيا لم تكن الدولة الغربية الوحيدة  التي تقبل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، إذ في عام 2020 اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم في إطار حيثيات "مقايضة" بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة بشأن التطبيع مع إسرائيل.

دعمت إسبانيا مؤخرا وقبلها الولايات المتحدة مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية
دعمت إسبانيا مؤخرا وقبلها الولايات المتحدة مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربيةnull Toufik Doudou/AP/picture alliance

ومهد هذا الاعتراف الطريق أمام فتح العديد من القنصليات الأفريقية في العيون والداخلة، فيما دعمت دول الخليج الموقف المغربي عبر ضخ استثمارات في مجالات البنية التحتية والطاقة.

ويعد الإقليم أيضا موطناً لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. وتقول البوليساريو إنها تمثل الشعب الصحراوي وتناضل من أجل استقلال الإقليم منذ حوالي 50 عاما. وتزامن ذلك، مع استمرار العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر.

المغرب وتحولات في السياسة الخارجية

وقالت سونيا حجازي إن "المغرب قد فرض مطالبه السياسية المتعلقة بالصحراء الغربية منذ عقود، لذا يشعر أنه وصل إلى نقطة الأمان. ولهذا السبب يمكنه استخدام سياسته الخاصة باللاجئين لممارسة المزيد من الضغوط لتعزيز التنمية المحلية".

لكن لا يبدو أن هدف المغرب يقتصر على الحصول على مساعدات مالية، بحسب ما أشارت إليه سارة زعيمي.

وفي ذلك، قالت إن "التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية المغربية تشير إلى أن المملكة باتت أكثر ثقة وأيضا أكثر مشاكسة، لذا أجد من الصعب تصديق أن المغرب يستخدم المهاجرين للاستفادة من المساعدات التنموية".

وأضافت زعيمي أن "الرباط برهنت على ذلك من الطريقة التي تمكنت من خلالها إدارة أزمة الزلزال"، في إشارة ضمنية إلى رفض المغرب معظم المساعدات الخارجية عقب كارثة زلزال سبتمبر / أيلول الماضي والذي أودى بحياة قرابة ثلاث ألاف شخص.

وأشارت إلى أن "المغرب يفضل الآن السيادة على علاقاته مع القوى الاستعمارية السابقة  وعلى ديناميكيات التبعية مع الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تنويع الرباط لشركائها خارج المدار الغربي بما يشمل الإمارات والصين والسعودية وحتى روسيا وأمريكا اللاتينية ودول أخرى".

وأضافت أن المشاريع الاستثمارية الكبرى مثل الاستضافة المشتركة لكأس العالم 2030 مع البرتغال ومشروع النفق الرابط بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق وجذب الصناعات إلى الأراضي المغربية، أصبحت تتصدر أولويات الرباط.

 

أعده للعربية: محمد فرحان

تهديد للزراعة والشرب.. إلى أين تتجه أزمة المياه في المغرب؟

أزمة المياه في المغرب هي جزء من النقاش العمومي منذ سنوات، منذ تأكيد أن المملكة تعاني من إشكالية كبيرة تهدّد الزراعة وحتى ماء الشرب. توالي سنوات الجفاف، واستنزاف الخزانات الجوفية بعدة مناطق، وعدم وقوع تقدم كبير في مشاريع "المياه البديلة"، هي أركان رئيسية من أزمة يتخوف المغاربة أن تتحول نحو الأسوأ.

وسجلت المملكة عجزاً في التساقطات المطرية خلال الموسم الزراعي الجاري بنسبة 70 في المئة مقارنة مع المعدل، كما تراجعت نسبة ملء السدود إلى 23.2 في المئة مقابل 31.5 بالمئة بينما تراجعت حصة الفرد من الموارد المائية من "2560 متر مكعب سنويا في سنة 1960 إلى 620 متر مكعب في سنة 2020"، وفق معطيات وزارة التجهيز والماء.

لكن حتى في الموسم الماضي كانت الأوضاع كارثية، وشهدت المملكة خلالها موجة جفاف غير مسبوقة منذ أربعة عقود. ويعوّل المغرب بشكل كبير على السدود، وهي استراتيجية لمواجهة مواسم الجفاف، لكن تواليها باستمرار خفّض نسبة ملء السدود بشكل واضح.

"الوضعية المائية في المغرب هي خطيرة جدا ولا توجد أيّ مبالغة في هذا الوصف، فشح المياه واضح"، يقول جواد الخراز، المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE)، لـDW عربية، مشدداً أن ضعف ملء السدود وتوالي الجفاف يدق ناقوس الخطر، خصوصاً ما يتعلق بانقطاع المياه عن السكان، وكذلك ما يخصّ أوضاع المزارعين المغاربة.

الجفاف في المغرب
الجفاف في منطقة الأطلس الصغير واضح بشكل كبير ما أثر على الزراعة وساهم في الهجرة القرويةnull Ashley Cooper/Global Warming Images/picture alliance

وتشهد بعض مناطق المغرب انقطاعات في تزويد السكان بالمياه، وهو خيار تشير تقارير وسائل إعلام مغربية أنه متعمد لأجل دفع السكان إلى مزيد من ترشيد المياه، خصوصاً في المناطق التي تشهد ضغطا كبيرا على الموارد المائية.

وتعاني مناطق في وسط وجنوب المغرب بشكل كبير من أزمة مياه الشرب، ومنها أكادير الكبير، التي تأثرت بتراجع كبير في مياه السدود وسط ندرة تامة للتساقطات المطرية، وكذلك جهة درعة تافيلالت، التي نبهت عدة تقارير إلى أنها مهددة بأزمة عطش.

ويشير خبراء كثر إلى أن الأزمة سببها التقلبات المناخية، خصوصا ارتفاع درجة الحرارة، إذ تشهد بعض المناطق مناخا حاراً على طول العام، وتوالي سنوات الجفاف، وكذلك النمو السكاني، وعدم ترشيد الاستخدام، خصوصا في مجال السقي.

اختلالات ساهمت في الوضعية

وفي الوقت الذي تراجعت فيه المياه السطحية بسبب الجفاف، تتعرض المياه الجوفية لاستنزاف كبير نتيجة الاستعانة بها لتوفير مياه الشرب، أو للنشاط الزراعي المكثف، خصوصا بعض الزراعات التي تستنزف المياه. وتشير تقارير رسمية أن 88 بالمئة من المياه في المملكة تستخدم في السقي.

ويبرز جواد الخراز أن المغرب يتوفر على قوانين وخطط استراتيجية مهمة في حكامة المياه، لكن المشكل كذلك هو في عدم تطبيقها، معطيا المثال بـ" الترخيص لمزارعين كبار استغلوا أراضي شاسعة وأسرفوا في استغلال المياه الجوفية"، وكذلك دعم تطبيق القانون الخاص بـ"عقد الفرشة المائية" الذي يلزم المزارعين بإدارة مياه الخزانات الجوفية.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، (مؤسسة استشارية) قد حذر، في منشور له، من أن المياه تتعرض للاستهلاك المفرط وللهدر رغم ندرتها في المغرب. وأشار إلى وجود ضعف في فعالية آليات المراقبة، وإلى لجوء بعض المدن إلى استخدام مياه الشرب لسقي المساحات الخضراء وللمشاريع السياحية رغم معاناة سكان في مناطق أخرى من العطش، لافتاً كذلك إلى استمرار زراعات تستهلك الماء بكثرة.

جلسة عمل لدراسة الأزمة

ويؤكد ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خاصة بدراسة أزمة المياه بداية هذا الأسبوع، مدى التحدي الذي تجتازه المملكة. ومن أهداف الاجتماع، طرح المخطط الاستعجالي لإيصال المياه إلى المناطق التي يتهددها خطر شح المياه.

يؤكد ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خاصة بدراسة أزمة المياه بداية هذا الأسبوع، مدى التحدي المائي الذي تجتازه المملكة
يؤكد ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خاصة بدراسة أزمة المياه بداية هذا الأسبوع، مدى التحدي المائي الذي تجتازه المملكةnull Alexander Shcherbak/TASS/dpa/picture alliance

ومن إجراءات المخطط، "تعبئة  السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة"، وكذلك "تقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك"، فضلا عن تسريع أوراش استراتيجية كالسدود ومشاريع الربط بين الأحواض المائية، واستخدام المياه العادمة المعالجة، حسب بلاغ للديوان الملكي.

وأعلن المغرب عن عدة إجراءات، في إطار برنامج يمتد من 2020 إلى 2027، لضمان وصول مياه الشرب والسقي إلى عدد من المناطق،  كمحور الرباط- سلا الذي استفاد من تحويل فائض مياه حوض نهر سبو إلى حوض نهر أبي رقراق، وكذلك البدء في تشغيل محطات لتحلية مياه البحر، في مدينتي أكادير وآسفي.

ويرى جواد الخراز، وهو كذلك عضو في مجلس إدارة الجمعية الأوروبية لتحلية المياه، أن كل هذه الإجراءات مهمة للغاية ومطلوبة، ولكن الحاجة ماسة لإجراءات أكبر، لافتاً أنه يجب مساءلة نموذج تصدير منتجات زراعية تستهلك المياه بكثرة كالأفوكادو والبطيخ الأحمر والطماطم، تنقل "المياه الافتراضية" إلى الخارج، وهو نموذج مربح اقتصاديا على المدى القصير للشركات، لكنه مدمر للبيئة.

كما يطالب الخبير بالاستثمار، سواء العمومي أو الخاص، في توفير المياه غير التقليدية، سواء المياه العادمة، أو تحلية المياه التي لم تعد مكلفة كما كانت، خصوصا مع التوجه لجعلها مستدامة باستخدام الطاقات المتجددة. 

ويقترح كذلك البحث عن التمويل العالمي للمشاريع الجديدة، وسن تشريعات جديدة تردع المبذرين وتخفض الأثر البيئي لتحلية المياه، ودعم البحث العلمي في الجامعات، المتعلق باستدامة الزراعة والمياه.

كأس أفريقيا 2023: أداء مخيب لمنتخبات عربية وهذه هي الأسباب!

قبل أن يخوض منتخب المغرب مباراته ضد تنزانيا (مساء الأربعاء 17 يناير/ كانون الثاني 2024) بكأس الأمم الأفريقية 2023 بكوت ديفوار، سادت حالة من خيبة الأمل والغضب من أداء المنتخبات العربية الأربعة الأخرى بالبطولة حتى الآن، وهي منتخبات مصر والجزائر وموريتانيا وتونس. فمع اقتراب الجولة الأولى من مرحلة المجموعات من نهايتها، تعادل فريقان وخسر فريقان. وإذا حدث وسجل منتخب المغرب هو أيضا نتيجة سلبية في مواجهة تنزانيا فربما ستكون هذه ربما أسوأ بداية  للمنتخبات العربية في البطولة منذ أن بدأت تأخذ شكل المجموعات مع عدد كبير من الفرق.

مصر تهدر تقدمها وتتعادل في آخر لحظة

في مباراة مصر وموزمبيق (الأحد 14 يناير/ كانون الثاني) بالمجموعة الثانية. تقدم "أحفاد الفراعنة" بهدف مباغت لمصطفى محمد في الدقيقة الثانية. وسيطر محمد صلاح ورفاقه على مجريات الشوط الأول وأضاعوا فرصا عدة لمضاعفة النتيجة. ومع اعتقادهم أن المباراة ستخرج لصالحهم ربما برقم قياسي من الأهداف؛ نظرا للفوارق الكثيرة بينهم وبين لاعبي موزمبيق، انتفض منتخب موزمبيق معطيا لاعبي مصر ومدربهم البرتغالي روي فيتوريا درسا قاسيا بتسجيل هدفين في الدقيقتين 55 و58. لكن القدر أنقذ مصر من هزيمة تاريخية حينما حصل مصطفى محمد على ركلة جزاء سددها محمد صلاح فارتطمت بالقائم الأيمن لحارس المرمى ثم دخلت الشباك وبعدها أطلق الحكم صافرة النهاية معلنا التعادل 2/2، في مشهد لم يكن يتخيله أحد. وكان منتخب مصر انتصر في جميع مبارياته الخمس السابقة، بمختلف المسابقات، التي جمعته بمنتخب موزمبيق، الذي لم يتمكن خلالها من إحراز أي هدف في الشباك المصرية.

أسباب النتيجة المحبطة

وبغض النظر عن آراء الجماهير الغاضبة التي كررت استخدام كلمة "الفساد" في تعليقها على هذه النتيجة وحديث آخرين عن الرطوبة العالية للأجواء في كوت ديفوار ما أثر على مجهود اللاعبين، أرجع كثير من الخبراء والمتابعين ظهور منتخب مصر بهذا الشكل المخيب للآمال إلى خطأ في خطة اللعب والتشكيل الذي خاض بهما المدرب البرتغالي فيتوريا المباراة. فقد ظهر أغلب اللاعبين في غير مستواهم وخصوصا خط الدفاع في وجود أحمد حجازي ومحمد هاني ومحمد عبدالمنعم، وتم إشراك لاعبين في غير مراكزهم، مثل محمد صلاح الذي لعب كصانع ألعاب، تاركا مكانه المفضل في الجناح الأيمن لأحمد سيد "زيزو". وصب آخرون جام غضبهم على محمد النني نجم أرسنال في مركز لاعب خط الوسط المدافع، الذي تم استبداله في الشوط الثاني.

ويتبقى أمام مصر مواجهة غانا غدا الخميس (18/1/2024) ثم مواجهة كاب فيردي الاثنين (22/1/2024) وعليها الفوز في المباراتين إذا أرادت مواصلة مسيرتها في البطولة كإحدى الدول المرشحة للفوز بها. ويجب تغيير تشكيلة الفريق بحيث تضم أفضل العناصر وليس الاعتماد على الأسماء والتاريخ السابق للاعب.

الجزائر "تعاقب نفسها" أمام أنغولا

في اليوم التالي لتعادل مصر بدا المنتخب الجزائري أفضل حالا في شوط المباراة الأول أمام أنغولا، فقدم "محاربو الصحراء" واحدا من أفضل أشواطهم في البطولة منذ فوزهم بها في نسخة مصر عام 2019، قبل أن يخرجوا بكارثة في البطولة التالية بالكاميرون 2022. وتقدم منتخب الجزائر بهدف مستحق لبغداد بونجاح في الدقيقة 18 وضيع أهدافا كثيرة أخرى كانت يمكن أن تأمن الفوز. لكن أداء الفريق تراجع في الشوط الثاني وفي المقابل بدا منتخب أنغولا أفضل حالا وحصل على ركلة جزاء سجلها بنجاح البديل كريستوفاو مابولولو في الدقيقة 68 ليتعادل الفريقان في النهاية بهدف لهدف. وتحسر جمال بلماضي مدرب منتخب الجزائر على هذا التعادل وقال: "أعتقد أننا عاقبنا أنفسنا، والمنافس الذي أغلق المساحات سجل هدف التعادل في وقت صعب كنا نمر به، وهذا يحدث في كرة القدم". واعترف بلماضي، بارتكاب لاعبيه أخطاء فنية".

وفي المقابل، أرجع البرتغالي بيدرو جونسالفيز، مدرب أنغولا التعادل إلى جهود اللاعبين في الشوط الثاني، بعد بدايتهم "البطيئة" في الشوط الأول. وقال في تصريحاته خلال الندوة الصحفية بعد المباراة: "بدأنا ببطء لكننا تمكنا من إيجاد بعض المساحات وعدنا في المباراة خلال الشوط الثاني، الذي شهد أداء أفضل من فريقنا".

وينتظر الجزائر مواجهة قوية في الجولة الثانية عصر السبت مع "خيول" بوكينا فاسو، قبل مواجهة موريتانيا في نهاية مرحلة المجموعات مساء الأربعاء 23 يناير/ كانون الثاني 2024.

موريتانيا تخسر في "الوقت الضائع"

وتعرض منتخب "المرابطين" الموريتاني لخسارة صاعقة صفر/1 أمام بوركينا فاسو على ملعب السلام في بواكيه الثلاثاء 16 يناير/ كانون الثاني.

وجاء الهدف في الدقيقة السادسة من الوقت البدل عن ضائع من ركلة جزاء نفذها البديل برتران تراوريه الذي وضع "الخيول" في الصدارة بثلاث نقاط، بفارق نقطتين عن كل من الجزائر وأنغولا.

وهذه الخسارة السادسة في سبع مباريات للمنتخب الموريتاني في ثالث مشاركة توالياً في العرس القاري، سجل خلالها هدفا يتيماً جاء من ضربة جزاء.

ويقود منتخب موريتانيا المدرب أمير عبدو بعد عامين من قيادته منتخب بلاده جزر القمر إلى الدور الثاني في النسخة السابقة في الكاميرون. وعلى الرغم من السيطرة الميدانية في الشوط الأول لبوركينا فاسو، إلا أن الخطورة كانت لفريق عبدو. وبدا الفريقان متحفظين دفاعياً خلال النصف الثاني من اللقاء إذ تأثرا بالحرارة المرتفعة والرطوبة العالية.

واحتسب الحكم المغربي جلال جيد ركلة جزاء للمنتخب البوركيني بعد العودة إلى حكم الفيديو المساعد (في ايه آر) نتيجة خطأ في المنطقة المحرمة من نوح العبد على عيسى كابوريه، فانبرى لها برتراند تراوري، لاعب أستون فيلا الإنجليزي، وسددها بهدوء إلى يمين الحارس نياس (90+6).

وقال هوبيرت فيلود مدرب بوركينا فاسو في المؤتمر الصحفي بعد المباراة: "كان الشوط الأول متوازنا بعض الشيء، ولم نصنع فرصا كافية، واستغل منافسنا ذلك". وأضاف: "الشوط الثاني، انهارت موريتانيا بدنيا، وكنا أكثر خطورة منهم، وكان لدينا أيضا تأثير أكبر مع التغييرات"

تونس خسارة "موجعة" ولكن مستحقة

وتعرضت تونس لخسارة صادمة و"موجعة" أمام ناميبيا 0-1على ملعب أمادو غون كوليبالي في كورهوغو، مساء الثلاثاء (16/1/2024) في الجولة الأولى بمنافسات المجموعة الخامسة. وترجمت ناميبيا أفضليتها الكبيرة خلال شوطي اللقاء بهدف متأخر سجّله ديون هوتو (89)، محققاً الفوز الأول على الإطلاق للمنتخب المعروف باسم "المحاربون الشجعان" في تاريخ مشاركاتهم بالبطولة.

في اللقاء الأول، بسط لاعبو ناميبيا سيطرتهم منذ الدقائق الأولى وشنّوا سيلاً من الهجمات وسط تخبط في أداء المنتخب التونسي.

وكان أبرز لاعبي "نسور قرطاج" الحارس بن سعيد الذي أنقذ عدة فرص محققة. وقال المدرب جلال القادري في تصريحات تلفزيونية بعد اللقاء "هزيمة موجعة. نتأسف لجماهيرنا على هذه النتيجة". وتابع "في الشوط الأول وجدنا صعوبة كبيرة. شوط أول كان سيئا بكل المقاييس".

وقال مهاجم شيفيلد يونايند الإنجليزي أنيس بن سليمان "لعبنا أفضل كثيرا في الشوط الثاني لكنّ كان يجب أن نكون اكثر حدة منذ الدقيقة الأولى". وفي الجولة المقبلة، تلعب تونس مع مالي في 20 كانون الثاني/يناير، قبل أن تقابل جنوب أفريقيا الأربعاء 24 يناير/ كانون الثاني.

ويتعين على منتخب المغرب، رابع العالم، تغيير صورة الكرة العربية التي اهتزت في أربع مباريات حتى الآن، عندما يفتتح مشواره بالبطولة مساء اليوم الأربعاء بمواجهة تنزانيا في المجموعة السادسة. وسيواجه "أسود الأطلس" في الجولتين المقبلتين الكونغو الديمقراطية (الأحد 21 يناير/ كانون الثاني) ثم زامبيا يوم الأربعاء 24 يناير/ كانون الثاني 2024.

ص.ش/إ.ف (د ب أ، أ ف ب، رويترز)

مهاجر سنغالي: وجدت في المغرب مستقبلي ولن أهاجر إلى أوروبا

كان في سن لا يتجاوز 16 عاما، عندما وصل مصطفى إلى المغرب سنة 2012 مصمما على الهجرة نحو إسبانيا، بحثا عن مستقبل أفضل مما قد يحققه في وطنه الأصل، السنغال. وبعد رحلة برية قانونية لم يعش فيها أي نوع من المخاطر، وصل مصطفى إلى شمال المغرب، وبالضبط إلى مدينة طنجة الواقعة شمالي المغرب، المطلة على السواحل الإسبانية.

يقول مصطفى في حديثه لمهاجر نيوز، "أتيت إلى المغرب عازما على المرور نحو أوروبا، لم يكن هدفي البقاء فيه أبدا، بل كان بالنسبة لي نقطة استراحة وعبور نحو إسبانيا". حاول بعد أيام من وصوله إلى طنجة العبور رفقة أصدقائه السنغاليين، وكرروا المحاولات بمساعدة من مهربين ثلاث مرات، "لكن في كل مرة كانت تفشل المحاولة، كانت المراكب التي تستعمل لنقلنا مهترئة، وكانت تغرق بعد وقت وجيز من انطلاقها"، يقول مصطفى.

 فشل المحاول كان يكلل بالاعتقال أيضا، فحسب ما أكده الشاب السنغالي،" تم القبض على الجميع من قبل الشرطة المغربية خلال المحاولات الثلاث، ليتم إطلاق سراحنا في كل مرة، أحيانا في المدينة نفسها، وأحيانا في مدن أخرى". ويضيف المتحدث قائلا "آخر مرة تم اعتقالي، نقلت إلى مدينة مراكش، وهناك قررت الاستقرار".

بداية الاستقرار!

مصطفى الذي درس في المدرسة القرآنية في السنغال ولم يحصل على فرصة الدراسة في مدرسة عادية نهائيا، عمل في مجال التجارة منذ صغر سنه، فقد اشتغل لدى بعض التجار في السنغال لسنوات، وحينها وفر مالاً يوصله إلى المغرب ومنه إلى إسبانيا كما كان يخطط.

"حين وصولي إلى مراكش، وتواجدي لأول مرة في ساحة جامع الفنا، قررت أن تكون هذه الساحة السياحية الشهيرة، مكان انطلاق محاولة الاستقرار  في البلد، فهي مكان مأهول بالسياح حيث يمكن إنجاح تجارة خاصة"، يقول مصطفى، الذي انطلق في أول مشروع تجاري بسيط، يتمثل ببيع الساعات اليدوية للسياح، ثم قام بتطوير المشروع تدريجيا، عبر تنويع السلع التي يعرضها على زبائنه".

صورة لمصطفى رفقة أحد الباعة المغاربة في ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش المغربية.
صورة لمصطفى رفقة أحد الباعة المغاربة في ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش المغربية.null privat

هذا الشاب السنغالي، هو واحد من بين ما يناهز 200 ألف مهاجر من  جنوب الصحراء الكبرى  في المغرب، الذين وصل العديد منهم بشكل غير قانوني منذ سنوات، ومعظمهم وصل للبلد بخطط  للعبور إلى أوروبا. يشتهر مصطفى اليوم ببيع قمصان التي طبعت عليها عبارة "إذا أغضبتني، سأعود للمغرب، التي يشتريها منه الزوار بسبب طرافة ما كتب عليها، وأيضا قمصان بأشكال وألوان من الثقافة الإفريقية عموما".

بعدما وجد مصطفى لنفسه موطئ قدم بين الباعة المتجولين في مدينة مراكش السياحية، وصارت ساحة جامع الفنا مكانه الدائم حيث صار معروفاً لدى الجميع، وكسب صداقات سواء مع أبناء وطنه، أو غيرهم من المهاجرين وأيضا أبناء البلد. تمكن مصطفى من زيارة وطنه ثلاث مرات منذ 2012، ليستطيع بعدها استقدام أسرته أيضا من السنغال إلى المغرب. يقول "رزقت بطفلين، لكن قررت إعادة زوجتي وأبنائي للسنغال في فترة معينة، وبقيت أنا هنا لأعمل وأعيلهم".

وضعية قانونية غير مستقرة ذات تأثير!

كان مصطفى من بين مئات المهاجرين غير القانونيين الذين استفادوا في المغرب من قانون تسوية الوضعية القانونية للأجانب، الذي انطلق منذ عام 2014، وقد سمحت حملتان نظمتهما السلطات المغربية بتسوية وضعية أكثر من 50 ألف أجنبي وتمكنهم من الحصول على تصاريح إقامة. ليطلق عام 2018 لقب "البطل الإفريقي للهجرة" على المغرب من طرف الاتحاد الإفريقي بسبب هذه الخطوة المهمة.

لكن من حظ مصطفى السيء، كما العديد من المهاجرين الأفارقة، أن كورونا أنهكت تجارتهم وأعمالهم، لذلك "لم أتمكن نهائيا من تجديد بطاقة إقامتي في المغرب، فقد واجهتني مشاكل صعوبات كبيرة في توفير كل الوثائق المطلوبة".

مصطفى يحمل القميص الذي يبيعه
مصطفى يحمل القميص الذي يبيعهnull privat

هذا الوضع الجديد، الذي عاشه مصطفى بعد انقضاء صلاحية بطاقة إقامته، يؤثر على الإجراءات الإدارية في العديد من المواضيع، لكن مصطفى لا يوليه أهمية قصوى حسب قوله، إذ يرى أنه "لا تواجهني مشاكل مع السلطات لعدم توفري على الوثائق القانونية، وأيضا حياتي تمر بشكل سلس هنا، في المستشفيات مثلا أتلقى العلاج عندما أحتاجه رغم عدم توفري على الإقامة القانونية، السلطات هنا تفهم مشاكلنا وتساعد في حلها، خاصة بالنسبة للسنغاليين، والأفارقة عموما".

أوروبا لا تغريني!

حين سؤاله عن التفكير في الهجرة إلى أوروبا، رد مصطفى بيقين أنه لم يفكر منذ استقراره مرة أخرى في الهجرة شمالا، يقول "لم أعد أفكر في الهجرة إلى أوروبا، أريد فقط أن أبقى بشكل قانوني في المغرب. هنا راحة نفسية كبيرة وأستطيع العمل في المدينة التي اعتدتها مراكش، هنا أصبح لدي أصدقاء ومعارف ومجتمع يأويني، والدين السائد هو ديني وأشعر أني بخير وفي أمان، الجميع يعرفني في الحي ومكان عملي، أنا في غنى عن مجهود إضافي للبدء من الصفر في مكان آخر".

لا ينفي مصطفى أنه عاش مشاكل في البداية، خاصة السنة الأولى من هجرته واختيار الاستقرار بالمغرب، "لكن بعدها تمكنت من العيش بهدوء بين المغاربة، يحتضنوننا ويرحبون بنا، السينغاليون هنا محبوبون، وحياتنا لا تختلف عن حياة المجتمع الأصلي، لذلك لا نجد صعوبات كثيرة، كما أننا متحدون فيما بيننا ودائمي اللقاء".

في مراكش كما في عموم المدن المغربية خاصة منها الحواضر الكبرى، هناك  مجتمع سنغالي كبير، تمكن من الانخراط في سوق العمل  والحياة الاجتماعية، لدرجة أنه في إحدى مناطق سوق المدينة الكبير بالدار البيضاء تلقب بـ "marché sénégalais" (السوق السنغالية)، وذلك بسبب كثرة تجارها السنغاليين. كما تشير إحصائيات رسمية نقلتها وكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية) أنه في الجانب التربوي والتعليمي فإن أكثر من 3000 طالب سنغالي يتابعون دراستهم في المغرب.

بالنسبة لمصطفى، ما دامت "عائلتي بخير في السنغال، فأنا أيضا سأكون كذلك هنا. طبعا سأفرح كثيرا إذا تمكنت من الحصول على إقامة قانونية واستقدام أسرتي إلى هنا، لنعيش مع بعض. وإلا فخياري الثاني هو العودة إلى السنغال، لكن فقط إن تمكنت من تأسيس عمل خاص بي لأعيش مستقرا مع أسرتي في مكان واحد، غير ذلك سأظل هنا في انتظار تسوية وضعيتي من جديد واستقدام أسرتي لنعيش سوية".

ماجدة بوعزة   مهاجر نيوز 2024